لقد قرأ سيد البلد الوجع منذ لحظته الاولى، وتلمس خطورة اللحظة، وألم الامهات والابناء، عندما نفذ الاكسجين، من رئاتهم، ونفذت الروح منا جميعا..
لحظة توجه جلالة الملك الى مدينة السلط الابية، ببزته العسكرية، تحدث بلساننا جميعا، وغضب عن الشعب الاردني وكل العالم، بلغة جسده التي رفضت ونبرة صوته الرافض لما حدث، ونظرات عينيه من خلف الكمامة، تنذر بأن ما حصل كارثي، والسكوت جريمة بحق الجميع..
عندما غضب سيد البلاد قال لنا كلمته، ووقف الى جانب أوجاعنا جميعا، وخفف الفجيعة عن أهالي شهداء الاكسجين، في يوم السبت الاسود، عندما قد الاردن سبعة من من ابنائه، بسبب الاهمال، فما حصل لا يغتفر، وعندما غضب سيد البلاد، تحدث عن غضب الاردن برمته..
عندما غضب سيد البلاد، حدثنا جميعا عن قصة وطن ينخر في العديد من مؤسساته الفساد، واللامبالاه، وعدم المسؤولية، ونسيان أن المواطن بشر وروح، ومن غير المقبول أو المسموح، ان يكون على قارعة الطريق.
وجع أوصلنا كي ننزف دما بدلا من الدموع، فلا العقل ولا القلب ولا الروح أصبحت تحتمل المزيد من الأخبار البشعة، ولم نعد نطيق أن نمنح أنفسنا مزيدا من الحزن، فقد وصل السيل الزبى، وتعبنا حد الموت المباح المشاع، حد القهر، وحد أن يصل جلالة الملك بدقائق الى موقع الحدث الاليم ليقول كلمته، وليقف بين الجموع ووسط الجماهير، دون الالتفات لكورونا التي تحيط المكان، وأروقة الفضاء.
عندما غضبت ملامح سيد البلاد وصل القهر لنا جميعا، وغضبنا قلبا وقالبا، وكنا على ذات السوية، وذات الصوت، وذات الملامح، حتى عدنا جميعا شخص واحد لا يمثله الا جلالة الملك، فكان كعادته منا وبيننا، ومن أو جاعنا يخلق التصرف، لأنه الاخ والابن والصديق، وسيد العرش والوطن.
فاجعة أضيفت الى ملفاتنا التي يعتريها القهر والظلم والدم، من بحر ميت الى تسمم غذائي، الى مستشفى السلط حكومي، أطاح بكل مشاعرنا، وأضاف علينا ليس وجعا بل أوجاع لا يمحوها الزمن، ولا الصرخات، بتنا لا نقبل الا بتصحيح لكل المسارات فالخطأ مرفوض، وعدم المسؤولية غير مسموحة، والتصرفات الهوجاء التي تتنبع عن فعل لا يخضع لأي معنى سوى الجهل والغباء وقلة المسؤولية، لا بل وغيابها التام.
فلو ظللنا أعمالنا، بحديث رسول الامة صلى الله عليه وسلم بأن «ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا أن يتقنه» لكنا دوما بألف خير ويمن وسلام، لو عملنا بتفاصيل هذه الكلمات لوصلنا الى أعلى المراتب، ولحمينا أنفسنا ومن حولنا من السقوط، ولو اعتمدنا هذا المبدأ في كل تفاصيلنا، لوصلنا الى أماكن أخرى اصبحنا نفاخر بها كل الدنيا، فكل مسؤول عن عمله، من أبسط موظف الى أكبرهم، ومن الطبيب والممرض وعامل النظافة، والاعلامي، والمحامي، وموظف البنك والمعلم، وربة المنزل، ورب الكون منحنا عقلا وقلبا وفكرا يؤهلنا لنميز الخطأ من الصواب والسلبي من الايجابي، فلمذا لا نلتزم بما منحنا من نعم، لنمنح السلام لمن حولنا..
فالحكاية غضب سيد البلاد وهي الأصل والقضية وعذرا «سلطنا» فمن فقدتم هم شهداء الوطن وشهداؤنا جميعا..