من أول المعلومات التي عرفها الناس عن أعراض الإصابة بكورونا (المصاب يفقد حاسة التذوّق والشم،وهما من الحواس «الست» في جسم الإنسان)، يعني طعم الأكل والشرب يتغير في الفم، ولا أعلم ما الذي يغير طعم الحب أيضا؟!.
كان هناك مطرب مصري يغني أغنية كنت أعتبرها بائسة، ولم أحفظ منها سوى جملة خبرية واحدة «طعم الحب تغير»، وذلك لكثرة تردادها من «العقب» تلك الأيام، وما زلت أجوب أفلاك الإيحاءات الفلسفية في العبارة التي أشك بصحتها «طعم الحب تغير»، علما أن الحب أنواع، وهنا أسألكو بضميركو (بالله : مين شعر أن طعم الحب تغير؟!)، علما أنه يتغير بشريا اعتمادا على مكنونات وخلجات نفوس ودقات قلوب العاشقين، فكل شخص لديه طريقته في الحب، وقلما يكون الوصف علميا حين نقول هذا عاشق محترف، وذاك عفوي وغير مهني في الحب، طبعا ليس كل من حفظ العبارة المذكورة أو رددها بالضرورة أنه عرف الحب كله، وقد يكون محبا للطعام ولأمه ولأقاربه، لكنه يتحدث عن الحب نفسه الذي يتحدث عنه المطرب المذكور.
اليوم نسمع حديثا مماثلا في الأردن، لكن عن النهج، ولا أعلم كم أردني يمكنني أن أسمعه أو أعتمد على فكرته، حين يطالب بتغيير «النهج»!، ومع ذلك كلهم يطالبون بتغييره، وربما لو تمكنت من التحدث مع كل واحد من الأردنيين عن تغيير النهج، لاكتشفت عندئذ معلومة مهمة، قد تصبح رئيسية عند المختصين المطلوب منهم تغيير نهج دولة، ومكمن أهميتها في أنها ستكون رقما إحصائيا، كأن نقول (بغض النظر عن موقعهم من المسؤولية، فلا يوجد في الأردن سوى 5 أشخاص يمكنهم التحدث عن النهج ويقترحون أية تغييرات عليه)، عندئذ ستقفز الأفكار المراهقة الصغيرة في نفوس الكثيرين استقصائية تشكيكية (مين همه هالأشخاص الخمسة!!)..مين الـ5؟!.
القصة ليست مين الخمسة أو المليون؛ بل إن القصة تكمن في طريقتي أنا التي «انتهجتها» في مقابلة ومحاورة وسؤال كل الأردنيين، حين تحدثت معهم جميعهم، عن وجهة نظرهم في تغيير النهج، وكيف تمكنت من اكتشاف أنهم يرددون كلاما لا يفهمونه، ويعتقدوا أن المسألة يتم حلها بجرة قلم أو بقرار، وربما سيكون قرارا خطيرا مميتا كارثيا، يشبه قرار سائق حافلة مملوءة بالركاب، نطالبه «بأمر دفاع حاسم» بتغيير طريقته في قيادة الحافلة التي تسير بسرعة ما على طريق وعر، وتطلب منه طلبا محددا واضحا (الركاب كلهم خائفون وغاضبون، وعليك منذ الآن التحكم بالباص وقيادته بأي طريقة تريدها لكن دون استخدام المقود)!.
الف مرة؛ حاول الأردن وبمبادرات وتوجيهات ملكية ومن مستويات أخرى في الدولة، أن يغير النهج، كل النهج، لكن في كل مرة كانت التغييرات المنجزة قليلة، لأن كثيرا من «الركاب» يشرعوا باتخاذ تدابيرهم الشخصية، ليضمنوا عدم تأثرهم لو طرأ مزيد من تغيير على النهج والقيادة، وعلى الرغم من الإصلاحات التي تحققت بشكل متدرج نعرفه جميعا، إلا أن الأصوات التي «لم تفهم ولم تحفظ شيئا»، ما زالت تتعالى صخبا بتغيير النهج، وكل التغيير الذي طرأ لم «يخدمهم»، ولم يقم بإقصاء خصومهم، فهذا أكثر ما يفهمونه عن «التغيير» وعن النهج.
لا أعلم من أين نبدأ عندما يحين موعد الحديث من جديد عن التغيير، لا سيما إن انطلقنا من عند «النهج» الذي نتحدث عنه ولا نعرفه، هل هو هاتف مثلا، أو شاشة، أو قانون، أو ثقافة، أو طريقة تشكيل حكومة أو طريقة انتخاب..؟ ماذا يعني «تغيير النهج»؟!..أنا أعتبره تغيير في أدوات التواصل والتنوير أولا، فالجهل مطبق، والغضب أو بالأحرى اداعاء الغضب، هو المسيطر، ولا كلام مفهوما سوى الرغبة المنفلتة بقول أي كلام يعتبره القائل مزعجا للسلطة، وحتى نتحدث بكلام ونسمع «بعضنا» يجب أن نوفر بيئة تنوير، وهذه أول الأخطاء وربما آخرها وأهمها، التي وقعت فيها الدولة، حيث «غاب صوتها»، لكن كيف غاب ومتى، فالشرح يطول، وبؤس مؤسسات الإعلام بل موتها أكبر دليل.