انقسام الفلسطينيين داخل الخط الأخضر جعلهم «الخاسر الأكبر» في الانتخابات الاسرائيلية الرابعة في غضون عامين . ورغم ذلك فان العرب في الداخل ربما يشكلون عاملاً حاسما في ترجيح كفة أحد الأحزاب المتنافسة على تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، والتي يتوقع أن تكون عملية «مضنية». رغم أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تضع فيتو أمام أي مشاركة للعرب وتشكيل شبكة أمان عربية.
وتشير نتائج غير نهائية للانتخابات الإسرائيلية إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمامه عمل شاق لتأمين ما يكفي من المقاعد حتى يتمكن من البقاء في السلطة. وبعد فرز نحو أكثر من 90 في المائة من أصوات الناخبين ، أحرز تكتل اليمين الذي يقوده نتنياهو 59 مقعدا، أي أقل بمقعدين اثنين من العدد الذي يمنحه الأغلبية في حق تشكيل حكومة. وترجح التوقعات في فوز حزب القائمة العربية الموحدة «التي يرئسها عباس منصور « بأربعة مقاعد، ما يؤهله لتحديد الحزب الذي سوف يشكل الحكومة في حالة التحالف معه في الكنيست ، ولم يعلن «حزب ألقائمه العربية الموحده « حتى الآن موقفه من دعم نتنياهو -كحليف غير طبيعي- لتشكيل حكومة، ولا موقفه من الأحزاب المعارضة التي تسعى للإطاحة بنتنياهو من السلطة.
لم تحسم الانتخابات الرابعة أزمة تشكيل الحكومة في إسرائيل، حيث بقيت تراوح مكانها بانتظار إسباغ الشرعية على العرب الفلسطينيين التي تشكل إحدى قوائمهم الانتخابية بيضة ألقبان، التي ترجح كفة أحد المعسكرين الإسرائيليين المتنافسين المنقسمين بين مؤيد لنتنياهو ومعارض له، وتشكل أخرى جزءا «غير شرعي» من المعسكر المناوئ لنتنياهو.
ويتوقع مراقبون أن يكون مرشح اليمين، رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أكثر «شجاعة» من مرشح الوسط - يسار الجنرال بيني غانتس، الذي خاف في الانتخابات السابقة من تشكيل حكومة تعتمد على أصوات العرب الفلسطينيين، رغم توصية القائمة المشتركة بأحزابها الأربعة عليه لتشكيل مثل هذه الحكومة واستعدادهم للالتزام بدعمها من الخارج.
فيما يتوقع مراقبون أن تتغلب «شجاعة» نتنياهو النابعة من الهيمنة التي يتمتع بها في الساحة الإسرائيلية ومن حاجته الماسة لمثل هذه الحكومة، للإفلات من ملفاته الجنائية، على الخطوط الحمراء التي وضعتها السياسة الإسرائيلية أمام تأثير العرب وأحزابهم السياسية على الخارطة السياسية والقرارات المصيرية في إسرائيل، قد لا يستوعب العقل والمنطق تشكيل حكومة تضم من جهة غلاة اليمين الاستيطاني الفاشي ومدعومة من جهة ثانية من قائمة عربية «إسلامية».
وإذا كانت خطوة منصور عباس المتمثلة باستعداده لدعم حكومة صهيونية من الخارج دون التزامها بإجراء أي تحول سياسي تجاه القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى، كما فعلت حكومة رابين، هي استمرار لنهج التوصية على غانتس الذي انتهجته القائمة المشتركة، فإنها تعتبر خطوة أكثر إيغالا وفظاظة في عملية مقايضة الحقوق المدنية بالقضية الوطنية التي بدأتها تلك القائمة.
وإذا كانت حسنة التوصية على غانتس أنها كشفت حدود التأثير والمسموح والممنوع على العرب في لعبة «الديمقراطية الإسرائيلية» في ملعب «اليسار - وسط»، فإن إزالة « الفيتو « المفروض على اليمين من قبل أحد الأطراف العربية تحت شعار «لسنا في جيب أحد»، ربما تكشف أن «شجاعة» نتنياهو ستصطدم بذات الخطوط الحمراء التي سيستبسل في الدفاع عنها جنود معسكره المخلصين، وأنه مثلما سرّعت التوصية على غانتس في تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» مع نتنياهو في حينه، فإن خطوة عباس ستسرع ربما الاصطفاف في حكومة يمين برئاسة نتنياهو وفق دعوة سموتريتش.
وفي الحالتين، نحن من يخسر حقوقنا وثوابتنا الوطنية وخطوطنا الحمراء سعيا وراء أوهام المشاركة والتأثير المزعوم، بينما يتمسك المتطرفون الصهاينة بعنصريتهم ضد الوجود العربي تحت ذريعة الحفاظ على « يهودية الدولة» وسياسة التطهير العرقي والحفاظ على «نقائها» من أي «شائبة»، فهم يدفعون بمصالحهم الشخصية والحزبية على مذبح صهيونيتهم، بينما نفرط نحن الفلسطينيين بقضيتنا المقدسة من أجل مصالح فئوية ومكاسب انيه رخيصة، بتجاهل متعمد بأن التمييز الممارس ضدنا هو تمييز بنيوي قائم في بنية الدولة اليهودية، وأن ما نحصل عليه، دون تغيير هذا المبنى العنصري، لن يتعدى بعض الفتات هنا وهناك فقط، وأنه من المرجح أن نحصل عليه دون ثمن مما يتطلب صحوة فلسطينية تحول دون تحقيق ذلك.