ليس التعبير لي، فهو من «نقش» الصديق الكويتي الدكتور ظافر العجمي، في وصفه للاتفاق «التاريخي/الاستراتيجي» الذي أُبرم قبل أيام في طهران بين وزيري خارجية الصين وإيران، ويتضمن من ضمن ما يتضمن، عقوداً واستثمارات بقيمة 400 مليار دولار، على مدى ربع قرن قادم، تتوزع ما بين النفط والطاقة، التكنولوجيا والسلاح، البنى التحتية والعلمية، إلى جانب «ما لا نعرفه» من بنود، ظلت طي الكتمان، وبطلب صيني كما تقول طهران.
الاتفاق يوفر لإيران «مسرباً آمناً»، واسعاً وعريضاً، في مواجهة تقلبات السياسة الأمريكية (الغربية) وعقوباتها، ويظهر للغرب والولايات المتحدة بخاصة، بإن طهران ليست «بلا حلفاء»، وأن الصين، «صديق الأوقات الصعبة»، والتعبير للوزير ظريف، يمكن أن توفر لها بدائل لكل ما تحجبه عنها الدول الصناعية الكبرى، إن بهدف الضغط والابتزاز، أو لخشيةٍ من تنامي قوة إقليمية، بحجم إيران ووزنها في الإقليم.
وإذا ما صحت التقديرات، بأن طهران مقبلة على توقيع «مماثل» مع روسيا، فإن أسوأ كوابيس واشنطن تكون قد تجسدت: محور «أوراسي»، يجمع الاقتدارين العسكري والاقتصادي، بالكتلة السكانية الهائلة، بالموقع الاستراتيجي على ضفاف البحار والمحيطات والممرات الدولية...صحيح أنه من السابق لأوانه، الحديث عن محور من هذا النوع، بيد أن حملات الضغوط القصوى التي تمارسها إدارة بايدن ضد الصين وروسيا مجتمعتين، وبخلاف نصائح الخبراء والعقول الاستراتيجية الأمريكية: كيسنجر ومن قبله بريجنسكي وسكوكروفت، يمكن أن تُغَلّب فرص هذا السيناريو.
الاتفاق ولّد حالة من الاهتمام المشفوع بالذهول لدى عواصم عدة، دول خليجية اعتبرته «تهديداً» لها، سيما إن استكمل بعودة كل من طهران وواشنطن للاتفاق النووي، تركيا، تراقب ببعض القلق، منافِستها في المنطقة، وهي تحقق خترقاً استراتيجياً بهذا الحجم، ترقب غربي لـ»الهجوم السياسي الاقتصادي» الصيني على «جبهة الشرق الأوسط»، بعد جولة وزير الخارجية الصيني في الإقليم، وتوقيع الاتفاق مع نظيره الإيران، والمبادرة الصينية، متعددة المحاور والمسارات، للشرق الأوسط، بما فيها أسلحة الدمار الشامل والقضية الفلسطينية.
إيران في خضم جدل واسع: غالبية المعلقين في حالة ارتياح وابتهاج، لتوقيع اتفاق أشرف عليه «المرشد الأعلى»، وليس حكومة الإصلاحيين وحدها، وقاد مستشاره علي لارجاني، حيزاً من من مفاوضات السنوات الخمس بشأنه، فيما هناك أصوات تحذر من مغبة سقوط إيران في براثن «السيناريو السيريلانكي»، والكيفية التي وضعت فيها الصين يدها على أهم ميناء في البلاد، ولقرن قادم...إيران تنفي أن تكون فرطت بحبة رمل من ترابها، أو بجزيرة واحدة من جزرها في الخليج العربي.
بخلاف جورج فلويد، سيكون بمقدور طهران، «أن تتنفس» بعد الآن، وقد لا يمضي وقت طويل، قبل أن تُترجم مبادرة بوتين لتخطي الدولار في التبادلات التجارية العالمية، ولن يكون بمقدور واشنطن بعد اليوم، ومن دون أن تقامر بمواجهة «ساخنة» مع الصين، أن تترجم شعار ترامب: «تصفير صادرات النفط الإيرانية»، فالتنين الصيني، أمن قدراً هائلاً من مستورداته النفطية، من إيران، وبأسعار تفضيلية، وسيكون له استثماراته في ميادين الطاقة الإيرانية.
والحقيقة أن واشنطن، بسياساتها «الرعناء»، سيما في سنوات ترامب الأربع، نجحت في جمع من فرقهم صدام الإيديولوجيا واختلاف النظم السياسية، ودفعت إيران للتخلي عن الشعار الرئيس لثورتها الإسلامية: «لا شرقية ولا غربية»، إيران اليوم، «شرقية بامتياز»، بيد أنها لا تمانع في مد جسور التطبيع مع الغرب، إن جنح لمراعاة مصالحها وحساباتها...لكأننا أمام انقلاب في المشهد الإقليمي – الدولي، ستتضح خواتيمه، مع اكتمال المساعي الرامية استنقاذ الاتفاق النووي، وإقبال طهران على استكمال «العقد الأوراسي» بتوقيعها اتفاقاً مماثلاً مع موسكو.