نحن في وطن أكثر من جميل ، وفرت لنا الطبيعة فيه فرصة التمتع ببيئات متنوعة صيفا وشتاء ، ولا أظن أن بلدا غيره في العالم فيه نعمة الأغوار والعقبة والبحر الميت شتاء ، وروعة جبال عجلون وجرش والشراه وزي والسلط صيفا ، وللحق فإن صفاء البادية الأردنية حالة استثنائية تستحق الاكتشاف ، تتجاور عندنا بيئات لا مثيل لها .. فكيف يتعامل الأردني مع هذه الأمكنة ، خاصة وأننا في الفصل الذي تحلو فيه النزهات ، وينطلق فيه المواطن الأردني في أيام الجمع والعطلات متنزها .. فماذا يفعل الناس عندنا في نزهاتهم ..؟ ولماذا ترتبط النزهة في سلوكيات الناس عندنا بالخراب وإلقاء النفايات وحرق الأشجار وإقامة حفلات الشواء ..؟ ما علاقتنا بالمكان ..؟ وما علاقة هذا بروح المواطنة ..؟
النزهة عند الأردني تعني الخروج بعدة الشواء وافتراش الأرض تحت شجرة واستخدام المناطق المحيطة بكل ما فيها من أعشاب وبقايا الربيع لمصلحة هذا الحفل الأسبوعي ، ولأن الذين يتمتعون بهذه الحال هم من أصحاب الدخل المتوسط ، تتكرر مناظر العائلات المتنزهة والتي تفوح من تجمعاتها رائحة الشواء وأصوات الصغار الذين يجدونها فرصة ذهبية للركض والتعبير عن فرحهم .. وهذا طقس جميل يعلن عن حالة فرح واستمتاع ، لكن ما تتركه العائلات من خراب وتكسير للشجر وبقايا حفل الشواء ونفايات الطعام حالة مؤسفة تفجع الناظر ، وتجعله يقارن بين ما يراه لدينا من سلوكيات في نزهاتنا وبين ما رأيناه في دول العالم ، التي تفسح المجال لمواطنها بالتنزه والمتعة بعناصر المكان ، وتهيئ للراغبين باستخدام المكان لتحضير الأطعمة مرافق مخدومة ، ويحس الزائر أن حالة من الحرص والمحبة والتواؤم تسود بين المتنزه والطبيعة .. تشعر بالاحترام وتستذكر عندها صورة العائلات الأردنية التي تنتشر تحت الأشجار وعلى أطراف الشوارع وتخلف وراءها منظرا مؤسفا يجعلنا نعتقد أن أسرابا جائعة من الجراد غزت المكان .. والأمر الذي يستوقفنا أن الرحلات المدرسية ترسخ هذا المفهوم ، فالطالب الذي يذهب في رحلة مع مدرسته لا يعرف لماذا تم اختيار المكان ، ولا يشعر بقيمته ، ويظل التطبيل والصراخ يعلو في الحافلات المدرسية التي يقودها مجموعة مشرفة من المعلمين بلا خرائط للمكان ولا معلومات لتاريخه ، ونحن في بلد يوصف بأنه متحف غير مسور .. فترسخ المدرسة الصورة التي بدأها البيت ، لعلاقتنا بالمكان ، ولروح النزهة والمتعة .
أردني في نزهة ، سواء مع عائلته أم مع مدرسته ، تستدعي ما كنا نقرأه عن روح الكشافة ونزهات الفرق الكشفية الأردنية التي كانت تزرع روح المواطنة بطريقة مؤثرة ، تبعث المحبة في نفوس الناشئة للمكان .. وربما جاء الزمن الذي يجب أن ندق معه ناقوس الخطر في علاقتنا بالأشجار وتعاملنا مع مواقع النزهة ، فحيثما تنزهت عائلة أردنية تجد بقايا تدل على سلوك مؤسف .. المدرسة ترسخ هذا الخلل ، والعائلة تؤكده ، والنتيجة علاقة محزنة تؤشر على استهتار الأردني ببيته .. وسلمت يا وطن وحماك الله منا عندما نتنزه أو نحرق أشجارك بلا رحمة وبدم بارد .فمن ينقذ الوطن من نزهاتنا الطائشة ..؟
تنزهوا أيها الأردنيون ، أقيموا حفلات الشواء وصحتين وعافية ، ولكن لا تحرقوا الوطن ..!