هل تُطَبِّع حركة حماس مع الحركة الوطنية والسياسية الفلسطينية؟ وبصيغة أُخرى، هل تنتقل الحركة من الموقع الموازي والبديل للحركة الوطنية لتصبح جزءاً لا يتجزأ منها؟ وما يعنيه هذا من توافقها على برنامج الحد الأدنى الوطني المشترك واحتفاظها ببرنامجها الخاص، وان تلتزم بقواعد النظام السياسي ومبدأ التبادل السلمي للسلطة، وللاتجاه المركزي في منظمة التحرير، وبقواعد الديمقراطية (التعدد السياسي والثقافي فضلا عن التعدد الديني).
هل ستدخل حماس هذا المنحى الوطني المهم انطلاقا من المصلحة العامة والخاصة؟ ام أن موقفها الجديد مجرد تكتيك او انحناءة أمام الهجوم والحصار الذي تتعرض له الحركة من قبل الحكومة المصرية، وامام حظر التنظيم الدولي للاخوان المسلمين – وحماس جزء منه - في مصر والسعودية والامارات وانكفاء التنظيم في الاردن، وبعد خسارة تحالفها مع النظامين السوري والايراني ومعهما حزب الله.
قبل كل شيء، ثمة مصلحة وطنية بانضمام حماس للحركة الوطنية، وهذا يعني تحولها من الهوية الدينية والسلطة الدينية الى الهوية الوطنية التي يشكل الدين أحد مكوناتها والى السلطة المدنية التي تعتمد القوانين الوضعية.
الانضمام والتحول ليس له علاقة بحجم "حماس" التمثيلي فيما إذا كان اكثرية او أقلية، فقد تكون في موقع الاتجاه المركزي، او تكون اقلية ضمن اكثرية، الانضمام له علاقة بالعقد الوطني الاجتماعي الذي ينطلق من المصالح العليا للشعب ومن حركة الواقع والعلاقات الداخلية والخارجية.
العقد الوطني لا يتقرر بناء على لحظة مَد او لحظة جَزْر في العلاقات الداخلية فقط، ولا يتغير إلا في شروط ومتغيرات محلية واقليمية ودولية.
انضمام وتحول "حماس" المأمول للحركة الوطنية يفترض مراجعة ونقد لتجربتها، غير أن هذا التقليد مفتقد أو ضعيف الى أبعد الحدود في تراث الحركة السياسية، وكونه مفتقداً او ضعيفاً فلا يمكن التغاضي عنه، لأن تبرير السلب بالسلب هو عنوان الأزمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وحركته السياسية.
فقد صعدت "حماس" بالاستناد الى سلب فتح وعادت فتح للتماسك بالاستناد الى سلب حماس، وبرر اليسار سلبه بسلب الآخرين. لقد اغفل التنظيمان المتنافسان حقيقة ان سلب احدهما او كليهما يكون على حساب الشعب الذي يدفع ثمن كل الأخطاء من كيسه الخاص.
حركة حماس جزء من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، تتبع سياساته وتتأثر سلبا وإيجاباً بمكانته الدولية والإقليمية، وبعد انتقال فروع هذا التنظيم من المعارضة الى الحكم في اكثر من بلد عربي، وبعد اقتراب فروع أُخرى من التنظيم إلى الحكم تسنى للشعوب التعرف على تجربة الإخوان في الحكم.
ففي المسألة الوطنية انتقل التنظيم من فتوى تكفير وتخوين اتفاق كامب ديفيد الى الالتزام به، وانتقلوا من شعارات العداء لأميركا إلى علاقات صداقة وتحالف معها والى إبرام تفاهمات تعزز الاتفاقات السابقة مع النظام التابع.
وإذا كانت الثورة تعني الانفكاك من علاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية فقد التزم تنظيم الإخوان بتلك العلاقات، والالتزام بوضع الإخوان في موقع الثورة المضادة.
كانت الثورة المصرية تفترض إعادة وضع اتفاق كامب ديفيد على بساط البحث بغية التراجع عن الشروط المذلة التي تمس سيادة مصر على أرضها، لكن تنظيم الإخوان المصري فعل العكس وتراجع حتى عن وعده بتنظيم استفتاء شعبي بعد الثورة حول اتفاقات كامب ديفيد. وكان يهم الشعب الفلسطيني إعادة ربط حل القضية الفلسطينية بأي اتفاق بين مصر وإسرائيل، خلافاً لفصل القضية الفلسطينية عن الاتفاق ومنح إسرائيل حرية الاستفراد بها. ماذا تقول "حماس" في هذا الموقف؟
قدمت حركة حماس نموذجاً للحزب الحاكم الذي يستأثر بالسلطة، بالاستناد الى القوة والحسم العسكري في سابقة غير مألوفة في التجربة الفلسطينية التاريخية.
قدمت الحركة حزباً حاكماً من النوع الذي لا يتيح المجال أمام مشاركة القوى السياسية الأُخرى في السلطة وفي اتخاذ القرارات من موقع التحالف، فقد كان الوزراء والمسؤولون ومعظم التعيينات وأصحاب الأنفاق من المنتمين لحركة حماس او المدرجين في أطرها الجماهيرية، الأمر الذي يكشف عدم التزام الحركة بالتعدد السياسي.
وتقول تجربة حماس انها لم تسمح للقوى الأُخرى ولا للاتحادات الشعبية والمنظمات الجماهيرية والمنظمات غير الحكومية بمزاولة نشاطها السياسي والجماهيري والاعلامي إلا بشروط وبموافقة حماس.
إن حسم السيطرة بالقوة ورفض المشاركة ومنع النشاط وتقييد الدخول والخروج للقوى السياسية، عطل الديمقراطية الفلسطينية على محدوديتها.
وكان لسلطة "حماس" باع طويل في مجال خنق الحريات العامة، كحرية التعبير والاعتصام والتظاهر، ومنع الاختلاط بين الجنسين في المدارس والأماكن العامة، ومنع المعلمين الذكور من التدريس في مدارس البنات، وفرض الحجاب على المحاميات وعلى عموم الطالبات والنساء في المجتمع، وحظر بعض الأزياء وقصات الشعر للشبان، وملابس البحر وتدخين النرجيلة للنساء، وإلغاء مقاهي الانترنت فضلاً عن تنفيذ أحكام الإعدام، وعدم الاكتراث بما يحدث للنساء من تمييز وعنف بما في ذلك القتل على خلفية ما يدعى "بشرف" العائلة.
إن هذه السياسات والممارسات قادت الى الانتقال الى الدولة الدينية المنغلقة. هل ستتراجع "حماس" عن تلك السياسات؟
كان السبب الرئيس الذي قدمته حركة حماس لتبرير انقلابها العسكري هو إزالة العقبة أمام مقاومة إسرائيل، والعقبة كانت الأجهزة الأمنية للسلطة وأجزاء من تنظيم فتح.
السؤال لماذا تحولت حماس وتنظيمها العسكري الى عقبة أمام مقاومة إسرائيل؟ لماذا لجأت الى قمع كل من يحاول مقاومة اسرائيل كما فعلت السلطة سابقا في قطاع غزة، وكما تفعل الآن في الضفة الغربية؟ لماذا أطلقت العنان للعشائر والتنظيمات المسلحة الصغيرة ودافعت عن مطالبها العشائرية وحقها في التسلح وفي المقاومة، ثم انقلبت عليها وأخضعتها بالقوة وهي في موقع السلطة؟ لقد استخدمت العسكرة والمليشيا المسلحة الواسعة النطاق تحت شعار المقاومة وبهدف بناء سلطة موازية ثم حسم ازدواجية السلطة.
وقد تحولت القوة الى بديل الاحتكام للشعب وممارسة الضغوط الديمقراطية الشعبية لفرض مواقف وإصلاحات أو لإفشال سياسات. السؤال كيف يمكن لحماس إعادة الاحتكام للشعب عوضا عن الاحتكام للقوة؟
بقي القول إن بقاء السياسات التي تبنتها ومارستها "حماس" على حالها دون تغيير أو تعديل يفقد المصالحة مضمونها المرجو، مع أن الاحتكام للشعب عبر صناديق الاقتراع سيتيح وضع معايير جديدة لاختيار ممثلين جدد للشعب.