تابعت ملايين المشاهدين المصريين والعرب، وحتى المراقبون والمحللون السياسيون اللقاء التلفزيوني مع مرشح الرئاسة المصرية عبدالفتاح السيسي، الذي قدمه كل من لميس الحديدي وإبراهيم عيسى في برنامج «مصر تنتخب الرئيس»، فللمرة الأولى يظهر مرشح الرئاسة المصرية على وسائل الإعلام، وهو من دون البزَّة العسكرية، وفي لقاء مطول، يشرح فيه ويحاور وسيلة إعلامية مصرية حول برنامجه الانتخابي، وحول رؤيته لمصر ودورها السياسي في المنطقة، في حال وصوله إلى الرئاسة.
للمرة الأولى يتابع الناس مرشح الرئاسة الأوفر حظاً، بحسب العديد من المعطيات للفوز بالرئاسة، إذ تشير غالبية التقارير بفوزه في شكل واسع في الانتخابات الرئاسية المقررة في 26 و 27 أيار (مايو) الجاري، التي سيخوضها أمام منافسه الوحيد حمدين صباحي، الذي جاء في المركز الثالث في أول انتخابات بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ويتحدث بلغة المرشح، الذي يحاول أن يكون مقنعاً لملايين المصريين، وقد شاهدوا وسمعوا اللقاء على قناتي «أون تي في» و«سي بي سي». السيسي هو الذي استجاب لاحتجاجات الشعب المصري في 30 حزيران (يونيو) المطالبة بالتغيير والثورة على «الإخوان»، فقاد عملية عزل الرئيس محمد مرسي، متحملاً كل التبعات التي نتجت من هذه العملية، وقد منحته قيادته للجيش الفرصة للتحرك في ذلك الوقت، ليكون هو رجل المرحلة الصعبة التي تمر بها مصر، وفي هذا الوقت بالذات من تاريخها.
اختيار عبدالفتاح السيسي لقناة مصرية في أول لقاء له بعد إعلانه الترشح للرئاسة، هو رسالة واضحة بأن ما يهمه في هذه المرحلة هو ترتيب البيت المصري، فمنذ إزاحة الرئيس محمد مرسي، وبروز اسمه مرشحاً للرئاسة، كان مقلاً بالأحاديث الصحافية، سواء أكانت داخلية أم خارجية، فقد كان على رغم شعبيته وقوة نفوذه يتصرف بمهنية، كوزير في حكومة انتقالية، مثله مثل بقية زملائه الوزراء، وهو تصرف أكسبه الاحترام من قطاع عريض جداً من الشعب المصري، وهو ما جعل الكثيرين يتحدثون عنه بأنه الرجل الأكثر قوة ورغبة لدى الشعب المصري.
أظهر اللقاء التلفزيوني أن عبدالفتاح السيسي هو رجل المرحلة، للعبور بمصر من مرحلة تعد من أصعب المراحل في تاريخها، إلى مرحلة جديدة وآمنة، حيث التهديد الداخلي والخارجي، فهناك جماعة من الجماهير المصرية لا تريد أن تقبل خيار الشعب المصري، بل تريد الاستئثار بالسلطة بأي ثمن، متجاهلةً الرأي العام المصري ومصالح البلد على جميع الأصعدة، وساعية وراء مصالحها الضيقة بدل المصلحة العامة التي تهم الجميع.
سيواجه المشير عبدالفتاح السيسي تحديات في حال فوزه بالانتخابات، فالتحدي الأول والأهم هو التحدي الأمني، فمصر تمر بمرحلة في غاية الصعوبة أمنياً، فالإرهاب بدأ يصبح وسيلة تُستخدم لترويع المواطنين، والاحتجاجات الطلابية العنيفة تستغل من بعض الجهات المناوئة لإرسال رسالة بأن مصر بعيدة عن الاستقرار، لذا فإن الأمن ستكون له أولوية في رئاسة السيسي وخلال حملته الانتخابية، فالشعب المصري يبحث عن زعيم يخلصه من المشكلات الأمنية ويعيد الاستقرار إليه.
ما تحدث عنه السيسي بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي يبدو أنه التحدي الثاني والهم الكبير لأي رئيس مرشح لرئاسة مصر، فالاقتصاد في وضع حرج، حيث الديون الكبيرة، والموارد تحتاج إلى استغلال أمثل، والناس تحتاج إلى تحفيز، لتعود مصر إلى قوتها وإنتاجيتها، فخلال المقابلة تطرق السيسي إلى حجم الديون المتراكمة على مصر، حيث وصلت الى 1.7 تريليون جنيه، مشيراً إلى أنه لا يجب توريثها للأجيال المقبلة، مضيفاً أنه وفقاً للموازنة يتم سداد 200 بليون جنيه لخدمة الدَّين، ومثلها للدعم، و208 بلايين جنيه للأجور، ولذلك لا بد لأي مرشح رئاسي من أن يضع الجانب الاقتصادي من أولوياته، وهو ما جعل السيسي في مقابلته يذكر أنه لا بديل عن تحقيق قفزة في الأداء الاقتصادي للبلاد، فمصر لديها النيل، وهو مورد مائي لا يقدر بثمن، ويعد من شرايين مصر الاقتصادية التي يمكن به أن تتخطى أزمتها بالتركيز على الزراعة كقطاع مهم وحيوي للاقتصاد، مع الأخذ في الاعتبار القطاعات الأخرى، كالصناعة والتجارة والسياحة، إضافة إلى عنصر الإنسان المصري الذي هو عماد أي تنمية اقتصادية.
كما أن التحديات الإقليمية التي تواجه مرشح الرئاسة المصرية قوية ومهمة، فعدم استقرار الوضع في ليبيا وتحولها إلى مستودع للجماعات المسلحة والأسلحة سيكونان مصدر قلق لأي رئيس مصري، إذ ترتبط الدولتان بحدود مشتركة تمتد آلاف الكيلومترات، وهو ما يصعِّب ضبط الحدود بينهما، وكذلك سد النهضة في إثيوبيا، والوضع في السودان جنوبه وشماله، حيث تقع مجاري نهر النيل، إضافة إلى الصراع مع إسرائيل، والخلافات الفلسطينية التي تلقي بكاهلها على مصر.
إن عودة مصر لاعباً رئيساً في العالم العربي مهمة جداً، وبقيادة قوية تساعدها على مواجهة التحديات السياسية في المنطقة العربية، فعلاقاتها مع الدول الكبرى لا بد من أن تكون متوازنة، وتجاوز كل المراحل التي مرت بها وأفقدتها تأثيرها بسبب خيارها الأميركي الوحيد في السابق، لذلك لا بد لها الآن من تنويع الخيارات في العلاقات الدولية، ولاسيما مع أميركا وروسيا والصين، وكذلك تصحيح دورها في العلاقات الإقليمية، ومواجهة النفوذ الإسرائيلي والإيراني والتركي، فمصر تشكل مع السعودية عامل توازن وقوة في المنطقة، لا يمكن لأي قوة دولية أو إقليمية تجاهلهما.
الكلمة الأخيرة ستكون للشعب المصري، لكن الحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها هو أن عجلة الدوران لن تعود إلى الوراء، فالديموقراطية بدأت في مصر منذ «ثورة 25 يناير» وتبعتها «ثورة 30 يونيو»، وكل المراحل والمعوقات التي تمر بها مصر هي إرهاصات الثورة، فتاريخ الثورات يُظهر أن التحول في الثورة يأخذ وقتاً حتى تصل إلى مرحلة النضج وقبول الجميع بتداول السلطة.
السيسي يثبت لمصر أنه المرشح الأقوى ورجل المرحلة المقبلة من تاريخها.