لم يحظ مكانٌ في العالم بموقعه الاستراتيجي كما حظي به الأردن فعدا عن كونه يتوسط بلاد الشام ويشكل بوابة للصحراء العربية في آسيا، ومعبرًا بريًا بين الجزيرة العربية وأوروبا، فقد شهد الأردن عبر التاريخ موجات من الهجرات للفتح والتعريب، فمنه عبر الهكسوس «بدو الصحراء» واحتلوا مصر وحكموها ما يزيد عن 5000عام وظهر من بينهم الوليد بن عمليق» فرعون سيدنا موسى»، ورمسيس ونيفرتيتي والتي يعتقد أنها أميرة من منطقة أم الجمال كما جاء في كتاب فيليب حقي في كتابه الشهير تاريخ الشام والعراق. كما تروي كتب التاريخ أن كثير من الأنبياء قد عبروا الأردن وأقاموا فيها ومنهم من ماتوا على أرضها. وتصدت الدول التي كانت قائمة في منطقة الأردن لكثير من الموجات الغازية، وقد كان لممالك الأردن مما ذكرت دورًا كبيرًا في السبي اليهودي الأول على يد نبوخذ نصر ملك بابل، وتذكر كتب التاريخ أن سيدنا عيسى عليه السلام قد دخل الأردن وزار مدينة أم قيس وهي من رابطة المدن العشر الديكا بوليس وهي رابطة إغريقية، والتي يوجد منها في الأردن ستة مدن هي جدارا أم قيس وأربيلا إربد وجراسيا جرش وأبيلا طبقة فحل وفيلادلفيا عمان وبيلا حرثا.
وكان المرور النبوي عبر الأردن أثناء تجارته مع عمه ومع زوجته خديجة بنت خويلد إلى الشام، والتي لم يتعد فيها منطقة القدم، ثم وفي أثناء مرافقته لعمه أبو طالب ورجالات قريش والقصة الشهيرة مع الراهب بحيرة، إذ عاد به عمه على الأثر إلى مكة عندما أخبره بحيرة بأن هذا الصبي سيكون نبيًا في يوم من الأيام، وما زال الأردنيون يعتقدون أن هناك شجرة في منطقة جنوب الأردن هي التي أستظل فيها الرسول -صل الله عليه وسلم-، وكان عبور جيوش الفتح الإسلامي الذي أعقب استشهاد الصحابي فروة الجذامي رسول رسول الله لعرب الغساسنة في الشام كأول شهيد خارج الجزيرة العربية، وكان ذلك على أرض الأردن، قد أعطى جند الأردن والذي تم إرسال شرحبيل بن حسنة لقيادته وإدارته، وبذلك تكون الأردن أول الأمكنة دخولًا في الإسلام بعد الجزيرة العربية، وقد شهدت الأردن معركتين فاصلتين في التاريخ الإسلامي هما معركتا مؤتة واليرموك، فقد كانت مؤتة هي معركة الفتح الإسلامي لما خارج الجزيرة وكانت اليرموك محاولة ناجحة لتعريب بلاد الشام والتي اعتبرت انطلاقا للفتح الإسلامي لكل الوطن العربي.
وخلال الحكم الأموي كانت الصحراء الأردنية مكانًا يقصده خلفاء بني أمية في دمشق للترويح والاستجمام، حتى أن ميسون البجدلية «التغلبية» والتي تزوجها معاوية بن أبي سفيان هي من قبيلة تغلب من الموقر وهي صاحبة القصيدة المشهورة:
لبيت تخفق الأرياح فيه أحب إلي من قصر منيف
وشهدت الحميمة والجرباء بين الشوبك ومعان بدء الدعوة العباسية، وفيهما وقع التحكيم الشهير بين معاوية وعلي بواسطة عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري.
وعند الحديث عن آخر مئة عام وهو عمر الأردن الحديث فإنه من الضروري العلم أن هذه الدولة قد قامت على أيدي حكام البيت الحرام الذين انتقلوا للشام والعراق لأجل البدء بتأسيس الدولة العربية، التي أفشلها المشروع الاستعماري بالتحالف مع المشروع الصهيوني، وبقيت الأردن الفتح والتعريب حاضنة للمشروع العربي النهضوي، وبقي فيها الحس النبوي من أخلاق آل البيت من بني هاشم، الذين جعلوا لغة الخطاب في الحكم إنسانية لا تعرف لغة الدم والخطاب لا يعصف بالأخر لمجرد الاختلاف في الرأي.