لم يشهد العالم العربي المعاصر حالة من الضعف والوهن أشد مما هو عليها الان، فمقدراته مستنزفة، وجناحه الشرقي (سوريا والعراق) مكسور، وقلبه (مصر) في غرفة الإنعاش ورئته (الأردن) مثقلة بشتى الهموم و لبنان غارق في أزماته الداخلية وفلسطين حيرى تجتر ألمها. وليبيا والسودان.. صدقت يا رسول وأنت الذي قلت وقولك حق «ستتكالب عليكم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها».
ولم يشهد الإسلام منذ أن أشرقت شمسه قبل أربعة عشر قرناً حالة من الإنقسام والاستقطاب والتشرذم كما هو عليها الان وأكبر دلالة على هذا الانقسام العدد الكبير من الأحزاب والمنظمات والجماعات والتيارات الإسلامية، إضافة إلى التصنيفات المتعددة لهذه التيارات (تكفيريون، معتدلون، متطرفون، ارهابيون، متشددون، حمائم، صقور...).
هذا عدا عن الاختلافات المذهبية المتفاقمة يوماً تلو الاخر والتي يجري تغذيتها بهذا الاتجاه.
هنالك منظمات إسلامية تمثل العالم الإسلامي ومنظمات تمثل كبار علماء المسلمين وقد طالها هي الاخرى وباءُ الانقسام والاستقطاب عدا عن أنها لم تقم بواجبها المؤمل منها ولم تستطع التوافق حتى على يوم الصيام ويوم الافطار.
فهي لم تستطع مواكبة حركة التطور العالمي المتسارع فتفتح باب الاجتهاد الذي يعد ضرورة كأحد مصادر التشريع الاسلامي وهو المرجع الذي دفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى تعطيل حد السرقة في فترة من خلافته.
من المعلوم أن ما يجري في العديد من الدول العربية من أحداث مؤسفة ما هو إلا صراع سياسي، وتم جر العديد من التيارات والجماعات الاسلامية التي انغمست بهذا الصراع وقد استثمر كل الفرقاء الاسلام وكبار رجال الدين لإضفاء الشرعية على تحركهم ومقاومتهم للآخر.
ففي الحالة المصرية استثمرت جماعة الإخوان المسلمين الدين وعلماء الامة في الوصول الى السلطة، واستثمرتهم أيضاً في محاولة مقاومة الإطاحة بسلطتهم، وكذلك فعلت السلطة الانتقالية التي استثمرت تيارات اسلامية وكبار رجال دين هي الأخرى.
وقد طالت هذه الحالة من الانقسام والاستقطاب واحدة من أهم صروح الفقه الاسلامي ألا وهي (الأزهر)، والخطير في الأمر أن كل التيارات والشخصيات الاسلامية المتصارعة أو التي جرت إلى الصراع ذهبت إلى ما هو أبعد من الصراع السياسي إلى تكفير الاخر وإباحة دمه..! والحال نفسه يجري في سوريا والعراق حتى بات المرء في حيرة من امره أيهما على حق وأيهما على باطل وكلاهما كانا في الأمس القريب من كبار علماء المسلمين. فالعمامة مقابل العمامة والفتوى مقابل الفتوى..! فأي وزر ترتكبونه بحق الإسلام والمسلمين!
يتضح مما سبق وأشرنا إليه إلى أن ما اصطلح عليه بالإسلام السياسي قد الحق ضرراً كبيراً بالاسلام وروحه السمحة الداعية إلى المحبة والسلام، وإنه كان من الأجدى للتيارات الاسلامية ورجال الدين النأي بأنفسهم عن الصراعات السياسية والابتعاد عن الانغماس بالسياسة خاصة في ظل الظروف الدولية الراهنة وأن تلتفت إلى الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الحكمة التي تستطيع أن تستوعب الواقع وتستشرف افاق المستقبل وليس إدعاء الحكمة بأثر رجعي.
أيها المسلمون، يجب التنبه إلى أن الاسلام في خطر وقد يكون قد دخل بوابة مرحلة غربته بين أهله لأنكم لم تمتثلوا لأمر الله في قوله جلّت قدرته:
} وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا { صدق الله العظيم.