المفترض أن يتم تشكيل الحكومة الإنتقالية ،حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، خلال الأسبوع المقبل وستكون هذه الحكومة برئاسـة محمود عباس (أبو مازن) الذي يعتبر أنَّ إنهاء الإنقسام الفلسطيني ،السياسي والتنظيمي والجغرافي، هو أهم إنجازات هذه الوحدة التي كان من المستبعد جداً أن تكون لولا كل هذه المتغيرات التي حدثت في مصر وأنهت حكم الإخوان المسلمين الذي كان بمثابة غيمة ثقيلة الظل وكان أدى لو أنه استمر إلى كوارث فعلية في هذه الدولة العربية الرئيسية وفي المنطقة وهذا الإقليم بأسره.
لقد واجه (أبو مازن) ضغوطات هائلة لا تتحملها حتى رواسي الجبال من إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الدول العربية لحمله على عدم الذهاب إلى هذه الخطوة لكنه صمد أمام كل هذه الضغوطات وأصر على إنهاء هذه الحالة الشاذة التي ترتبت على الإنقلاب العسكري المشؤوم الذي نفذته حركة «حماس» في غزة في عام 2007 ويومها كان هناك ما يسمى :»فسطاط الممانعة والمقاومة»!! وكان الإخوان المسلمون لم يصبهم بعدُ ما أصاب «البرامكة» وكانت مصر نتيجة الضعف ،الذي أصاب نظام حسني مبارك في نهاية مشواره الطويل، عاجزة عن إحباط هذا الإنقلاب ومنع إيران من إقامة جسرها الثاني على شواطئ البحر الأبيض بعد الجسر الأول الذي أقامه حزب الله في لبنان.
إنَّ المعروف أن الوحدة الفلسطينية بقيت تتعرض منذ إنطلاقة الثورة المعاصرة في عام 1965 إلى محاولات دؤوبة لدق الأسافين فيها وأن هذا النظام السوري ،الذي أورثه الأب لإبنه، قد حاول بعد حصار ظالم للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) وقواته في طرابلس اللبنانية الإطاحة بمنظمة التحرير وبقيادتها وإنشاء منظمة أخرى بقيادة «مطواعة» جديدة لكن تلك المحاولة المبكرة قد فشلت فشلاً ذريعاً لرفضها من قبل الشعب الفلسطيني كله ومن قبل الإتحاد السوفياتي في ذلك الحين ومن قبل العديد من الدول العربية التي كان الأردن في طليعتها بإستضافته للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان في نوفمبر (تشرين الثاني) في عام 1984 الذي كان إنعقاده تمتيناً وتثبيتاً لشرعية «المنظمة» وشرعية قيادتها.
لكن أخطر ما تعرضت له هذه الوحدة هو إنقلاب عام 2007 الدموي فعلاً والذي جاء في واحدة من أخطر فترات النضال الفلسطيني حيث كانت هناك مفاوضات أصعب من خرط القتاد وكان هناك تشكيك إسرائيلي كان الأميركيون يسمعون إليه بآذان صاغية بأن الفلسطينيين غير موحدين وأن منظمة التحرير لا تمثلهم وحيث كان أيضاً هناك «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي لم تكن عصفت به الرياح بعد وكان هناك التمدد الإيراني بكل زخمه لإتمام مشروع الهلال الطائفي الذي يتم إستكماله الآن من خلال كل هذا الذي يجري في سوريا وفي العراق وفي لبنان.
وهكذا فقد مرَّت سبع سنوات عجاف بعد هذا الإنقلاب ظن الإخوان المسلمون خلالها أنهم سيملكون الأرض ومن عليها وأنهم سينتقلون بعد مصر إلى بعض دول الخليج وأنهم سيبتلعوا الضفة الغربية وهي تحت الإحتلال كما ابتلعوا قطاع غزة ويومها والكل يذكر هذا بادروا إلى حملة تشويهٍ وتخوين ضد (أبو مازن) وقالوا فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر وكل هذا بتمويل من بعض الدول الشقيقة.
وحقيقة ،وقد ثبت هذا بالممارسة وليس بمجرد الأقوال، أن (أبو مازن) يعتبر أن الوحدة الوطنية لها الأولوية وأن رتق هذا الشرخ الواسع في المسيرة الفلسطينية يستحق تحمُّل كل الإساءات وإهمال كل الردح الذي تعرض له من بعض قادة «حماس» ومن الإخوان المسلمين وأن هذه الخطوة التي تمت والتي يجب أن تستكمل بدون أي توانٍ أو توقٌّفٍ يجب أن تجُبَّ ما قبلها وأنه عفا الله عمَّا سلف.. وإن قضية فلسطين فوق الجميع ولها الأولوية.. ولذلك فإنه مصرٌّ على تشكيل الحكومة الإنتقالية المقرر تشكيلها خلال الأسبوع المقبل وعلى إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية كأقصى حدٍّ خلال الشهور الستة القادمة.