أخر الأخبار
مشروع «لم الشمل» الوطني
مشروع «لم الشمل» الوطني

أخشى ما أخشاه أن يفاجئنا الوقت باستحقاقات جديدة لا نستطيع لها دفعا، وعندها سنشعر بالندم لأننا ضيعنا فرصة التوافق على مشروع إصلاحي وطني يضعنا على سكة السلامة، ورغم ان الوقت ما زال متاحا أمامنا لاستدراك أخطائنا إلا انني اعتقد ان كافة الفاعلين في حياتنا السياسية يدركون تماما بان هذه المرحلة بما تحفل به من أزمات وانسدادات هي الأفضل والأنسب (للم الشمل الوطني ) وإجراء ما يلزم من مصارحات ومحاسبات ومصالحات في كافة الميادين والمجالات.

لو سألتني وسط هذه المناخات التي أثقلتها صراعات النخب بالحناجر والخناجر معا : ما هي القيمة الغائبة التي يحتاجها مجتمعنا في هذه المرحلة؟ لقلت على الفور: الحوار، والحوار المقصود لا علاقة له - قطعا - بهذه السجالات التي تزاحمت مؤخرا في صالوناتنا ومنابرنا وأخذت أشكالا مختلفة اقرب ما تكون الى الصراع، ولا - ايضا - بحالات «التموضع» والتكتل وما رافقهما من تراشق هنا او التباسات واشتباكات هناك، وانما المقصود منه الخروج من هذه الدوائر المحتدمة وإحياء لغة جديدة تقوم على التفاهم والتواصل والوعي على شروط المرحلة ومتطلباتها وإنضاج حالة من التوافق والانسجام التي تصنعها المواقف العاقلة، المنفتحة على الذات والمتصالحة مع الآخر في آن.

قلت مرارا في هذه الزاوية تحديدا بان الحوار ضرورة وفريضة، وغيابه او تغييبه «كارثة» ومحاولات الالتفاف عليه او طلاء جدرانه بدل العمل على بنائها نوع من «العبث»، وما لم نتوصل بالحوار الى تفاهمات ومصالحات فاننا - بغيره - ومهما كانت البدائل سندخل مجددا في حالة من «الفراغ» وافتقاد الوزن، وسنعيد - مرة اخرى - انتاج ادوات جديدة تذكي «الصراع» القاتل، والدوران الفارغ وتجرح «المشتركات» والجوامع او تضيّق عليها الخناق فيما تتوسع دوائر الفروق والصدامات وتشتد وطأتها ولا تسأل حينئذ عن النتائج.

من حق الناس في مجتمعنا ان تسأل : لماذا اصبح الحوار مقطوعا بين النخب وبين المسئولين والناس ؟ ولماذا يتحول - حين نستدعيه - الى حوار طرشان؟ هل لدينا أزمات عصية على الحل بالحوار؟ هل أصبحت الابواب مسدودة امام اي تفاهم؟ هل تعطلت «لواقط» المجتمع عن استقبال اي رأي آخر؟ لا ادري، ولكنني اعتقد بأن كل ما نعانيه ونشكو منه هو نتيجة لغياب «منطق» الحوار،وشيوع ثقافة «المناكدة» والمناكفة، والتفنن في انتاج مشروعات متجددة «للأزمة» بحيث يشتبك الجميع مع الجميع، وينشغل الكل بالكل» وندور في حلقة مغلقة وفارغة، ونتصور بأن ثمة رابحين وخاسرين فيما الحقيقة ان مجتمعنا كله هو الخاسر، واننا - جميعا - ضحايا لصراعات غير مفهومة ولا منتجة ولا ضرورية، واسرى لحالة يغيب فيها الروح والوعي، هذان اللذان لا ينبضان الا بوجود الحوار الذي هو اساس الحياة.

وراء انقطاع الحوار وتعميم حالة الاستعصاء تقف بعض النخب التي لا تؤمن بالإصلاح ولا تريد ان تفقد امتيازاتها ولا يسعدها ابدا ان يتعافى مجتمعنا، ولهؤلاء يجب ان نقول دائما وبإصرار اننا في مرات عديدة جربنا «صيدلية» الحوار، ووجدنا فيها ما نحتاجه من «أدوية» لأمراضنا ومشكلاتنا، وفي مرات عديدة دفعنا ثمن افتقاده وتغييبه وانقطاعه، وكان - بوسعنا - بعد هذه التجارب ان نتعلم من دروس النجاح والفشل، وان نتوجه الى «الاستثمار» في الحوار كقيمة مثمرة، لكي نحسم كل الأسئلة التي تتردد في انحاء مجتمعنا، وكل القضايا التي تشغلنا بأجوبة مقنعة ومصارحات وتفاهمات تفضي الى مصالحات حقيقية تجنبنا غوائل الانسدادات والانفجارات التي ينتجها «الضغط» او الشد المتبادل داخل الجسد الواحد.