بعد أن اقفل ملف الانتخابات الفلسطينية مؤقتاً، عادت مرة أخرى محاولات المستوطنين في منطقة الشيخ الجراح للاستيلاء على منازل المواطنين الفلسطينيين فيها ضمن هجمة متجددة لتهجير سكانها الاصليين وفرض أمر واقع ديمغرافي جديد في مدينة القدس واحيائها.
معركة أبناء الشيخ جراح ومعهم أبناء مدينة القدس تتواصل ضد محاولات سرقة اراضيهم ومنازلهم في ظل حراك سياسي ودبلوماسي فلسطيني واسناد سياسي عالي المستوى من الاردن الذي يعتبر مدينة القدس احد اهم ساحات الاشتباك الدبلوماسي مع دولة الاحتلال.
وزير الخارجية أيمن الصفدي انتقل الى رام الله حاملاً وثائق رسمية تثبت ملكية وحدات سكنية لعائلات فلسطينية في الشيخ جراح، تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي إخراجها منها بحجة أن ليس لديهم ما يثبت امتلاكها، وهذا التحرك العاجل يوضح أن القدس للأردن خط احمر ومواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات، وسعي الاحتلال لفرض امر واقع لا يمكن ان يكون مقبولاً او يسكت عنه مهما كانت نتيجة هذه المواجهة السياسية والدبلوماسية.
الصدام الدبلوماسي الفلسطيني الاردني مع إسرائيل في معركة جديدة بعد معركة التضييق على المصلين ومنعهم من الوصول للحرم القدسي في
شهر رمضان والتي اجبرت فيها قوات الاحتلال على رفع حواجزها وفتح الطرق داخل اسوار البلدة القديمة لوصول لأداء شعائرهم يعكس ان هناك تحفز سياسي يجمع الطرفين لمواجهة التعديات الاسرائيلية على المدينة وابنائها ومحاولة تهجيرهم بالقوة.
التحرك الثنائي الفلسطيني الاردني قابله الكثير من غياب التضامن والمساندة من الاشقاء في العالمين العربي والاسلامي وكأن القضية تعنيهما مباشرة ولا علاقة لهم بها، وحتى منظمة التعاون الاسلامي اكتفت بإصدار بيان يستنكر الاعتداءات دون دعوة أعضائها للتحرك لمواجهتها بالوسائل الدبلوماسية والسياسية.
هذا الصمت يطرح تساؤلات حول المسؤولية الاخلاقية والسياسية للأشقاء المسلمين والعرب ودورهم في التصدي لهذه الهجمة الاستيطانية الجديدة التي تطال المدينة المقدسة، وتهدد بضرب اسس الاستقرار السياسي الهش في المنطقة، وهذا الصمت انعكس ليصل وسائل الاعلام التي تتجاهل بشكل غير مسبوق تطورات ملف الشيخ جراح وكأن تفاهمات التجاهل للمعركة التي تشهدها المدينة يعكس رغبة في عدم التصعيد في المشهد السياسي الدولي ولحين توضح صورة مواقف الادارة الامريكية الجديدة من تطورات ملف الشرق الاوسط وعملية السلام المتعثرة منذ مؤتمر مدريد للسلام قبل ثلاثين سنة.
إسرائيل التي تعيش استمرار مرحلة التيه السياسي وانتكاسة تجربتها التي عجزت عن ايجاد حكومة مستقرة قادرة على تسييرها دشنت مرحلة ارضاء رغبات الناخبين المتحولين بسرعة الى مزيد من التطرف والانعزالية جراء سياسيات ارضاء رغبات اليمين المتطرف التي تتنافس فيها الاحزاب على الناخبين، وهذا الوضع المتواصل منذ سنوات خلق حالة من العجز لمحاولة قراءة الى اين تسير سياسات إسرائيل في المنطقة، والتحشيد الاسرائيلي لقوى التطرف فيها صار سمة بارزة لها وحتى على المستوى الدولي هنالك قلق حقيقي تجاه أي شكل ووجه للحكم القادم في اسرائيل مع تكرار الانتخابات البرلمانية فيها، مما افقد كل الراغبين بالحوار والسعي لإحياء عملية السلام الرغبة والقدرة على التواصل مع محاور يمكن الوثوق به في الجانب الاسرائيلي وهذا افقد إسرائيل صفة الدولة المستقرة القادرة على احترام التزاماتها وتعهداتها.
معركة الشيخ جراح الدبلوماسية والسياسية طويلة مع الاحتلال الاسرائيلي تفرض على الاشقاء والاصدقاء الوقوف مع فلسطين والاردن في هذه المواجهة ودعم صمود ابناء القدس ضد محاولات الاقتلاع، وتفرض لجم محاولات بعض الاطراف الدخول في معارك غير محسوبة النتائج كل اهدافها تحقيق مكاسب سياسية صغيرة على حساب المقدسيين.