في دارته غرب عمان، ينثر السفير الأمريكي صورا قديمة له، مع عسكريين أمريكيين وعراقيين، والصورمتعددة، تراها تارة على هذا الرف، وتارة في تلك الزاوية، واختياراته تشي باعتداده بخدمته السابقة في العراق.
السفير لم يختر من كل الدول التي خدم فيها، إلا العراق؛ ليؤطر بعض ذكرياته، تاركا دولا أخرى مثل: سورية ومصر وكولومبيا وحتى الأردن الذي سيغادره عما قريب.
سفراء واشنطن لا يعملون أكثر من ثلاث سنوات كسفراء في كل بلد، وفقا لنظام وزارة الخارجية الأمريكية.
الرجل المُتْرَف، ليس سهلا، فعلى الرغم من رفاهية عمان، إلا أنه خدم سابقا ثلاث سنوات في العراق، في ظروف قاسية وخطيرة، و اليوم يتم نقله ليعود سفيرا الى بغداد، بعد أن شغل موقعا أقلَّ خلال الأعوام بين 2008 و2010، إذ كان نائبا لرئيس البعثة الامريكية في السفارةالامريكية في بغداد.
شغل «جونز» أيضا منصب نائب مساعد وزيرة الخارجية في مكتب وزارة الخارجية للشؤون الأوربية والآسيوية من العام 2005-2008، وشغل أيضاً منصب نائب رئيس البعثة في السفارة الأمريكية في القاهرة، فوق كونه مساعدا لوزيري خارجية أمريكيين من صقور الخارجية الأمريكية.
كلمة السرِّ بإعادة السفير الامريكي الى بغداد، تثير ذعر العراقيين هذه الايام، والمعلومات تقول إن بغداد الرسمية وقوى سياسية كثيرة متحفِّظة بشدة على هذا الاسم، وبالذات تيار المالكي، لخلفيات سابقة تتعلق بخدمته في العراق، إذ عرفوه عن قرب وبشكل جيد، لكنهم - في المطلق- غير قادرين على رد استمزاجه.
كلمة السرِّ ذاتها تتعلق بعنصر محدد في خدمة الرجل سابقا في العراق، على مستوى بُنَى العلاقات التي اقامها.
علينا أن نعرف أن ذات السفيرالامريكي الجديد لدى العراق، كان قد شغل سابقا منصب «مُنسِّق محافظة»في محافظة الأنبار غرب العراق، وفي مجلس الأمن القومي في منصب المديرالقطري للعراق من 1994-1996.
التوتر العراقي إزاء إعادة ذات الدبلوماسي برتبة أعلى، الى بغداد، التي يعود اليها اليوم سفيرا، يتعلق بالمخاوف من علاقاته الممتدة على الصعيد العشائري والاجتماعي في غرب العراق، وتحديدا مناطق الأنبار المتمردة.
تؤكد معلومات هنا أن الرجل نسج علاقات ليست سهلة غرب العراق، وبعضها بقي فعالا حتى بعد تركه، وهي علاقات ممتدة على مستويات أمنية واجتماعية وتنظيمية، إذ له علاقات مع جماعات متشددة ومع احزاب ذات ميل ديني، وعلاقات الرجل متشعِّبة الى درجة كبيرة.
كل التلميحات العراقية تشير -بشكل واضح- إلى أن هناك مخططا لفرض فيدرالية في العراق بشكل أكثر عمقا من الواقع الحالي، وبشكل يأخذ الى تقسيم العراق الى ثلاث دول، ولابد من خبير أمريكي كالسفير الجديد قادر على إدارة ورقة غرب العراق، توطئة لهذا المخطط.
كلام العراقيين يتطابق مع معلومات تقول إن تركيا و واشنطن ودول أخرى حسمت ملف تحويل سورية ايضا الى فيدرالية خلال الفترة المقبلة، ولو بقوة السلاح والخلاف على التوقيت فقط.
هذا يقول إن تعيينه في بغداد قد يكون لمهمة واحدة فوق المهمات التقليدية المعروفة للسفراء، فالرجل سيكون لاعبا سياسيا وأمنيا، ولديه امتداد في منطقة تسبب الصداع الشديد لبغداد الرسمية.
مهمة جونز ليست سهلة، وسيعود الى بغداد حاملا صوره التذكارية السابقة، في ظل مناخ لاهب سياسيا وحرارة الصيف التي لا ترحم، فوق ملفات العراق المتحركة مثل الرمال إن لم يكن أكثر.
سفير لمهمة واحدة فقط، ربما، لكن دعونا نفحص كلمة السر في عودة جونز إلى بغداد؟!.