مع التقدم الملموس والواضح على طريق المصالحة وإعلان إنهاء الانقسام، باقتراب موعد إعلان الرئيس محمود عباس عن حكومة التوافق الوطني، ازداد حجم الإشاعات وليس التسريبات من قبل عدد من الشخصيات المستوزرة، خاصة ممن يقطنون قطاع غزة، من شخصيات "مستقلة" في شكل جديد لاستجداء الوظيفة والمكانة العامة وتحقيق الطموح الشخصي، من خلال توظيف واستثمار التقدم في وسائل الاتصال، وأدوات الإعلام، خاصة الإلكترونية، سهلة الاستعمال وغير المكلفة، بحيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي "تسمية" الطاقم الوزاري، قبل أن يلتقي وفدا "فتح" و"حماس" في غزة، قبل أيام !
ما يعلنه الطرفان : "فتح" و"حماس"، رغم انهما _ بالتأكيد _ تداولا في الأسماء المرشحة لحكومة التوافق الثنائي بينهما، هو ان الحكومة ستكون مقلصة، تضم نحو خمسة عشر وزيراً، وهذا أمر جيد للغاية، كما انه لم يتضح بعد، إن كان الرئيس سيتولى رئاسة الحكومة شخصياً، أم انه سيوكل شخصية أخرى بذلك، وإن كان في حالة توليه هو شخصيا سيعين نائباً له، يقوم بتحمل بعض العبء عنه، ام لا، وفي كل الأحوال تؤكد حركة حماس أن هذا الأمر لا خلاف عليه وانه متروك للرئيس ليقرر فيه كما يشاء.
ليست هنا المشكلة، فقاطرة المصالحة انطلقت بشكل عملي منذ إعلان الشاطئ قبل ثلاثة اسابيع، بما يتضمن "شكلا" إنهاء الانقسام، والذي سيكون على اية حال نتيجة إنجاز عدد من الملفات، منها المصالحة المجتمعية، اجراء الانتخابات، دخول "حماس" لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن وحيث ان إعلان الشاطئ احتوى ما هو جديد ومهم وحاسم، نقصد بذلك توقيع إسماعيل هنية شخصياً على بيان تنفيذ اتفاقي القاهرة والدوحة، فان ما لم يعلن عنه بين الطرفين يبقى هو الأهم، فيما يمكن وصفه، بالاتفاق على صفقة المصالحة بينهما، والتي تضمنت ما هو في مصلحة وفي مقدور الطرفين خلال هذه اللحظة بالذات، حيث وجدت "حماس" نفسها في ضائقة بعد عزل الرئيس الإخواني في مصر، وبعد الإغلاق التام للأنفاق، كذلك وجدت "فتح" نفسها، في ضائقة جراء انتهاء الفترة التفاوضية دون إنجاز، بل ومع صفعة نتنياهو بعدم إطلاق المجموعة الأخيرة من الأسرى، مع ان الرد بالتوقيع على خمس عشرة معاهدة واتفاقية دولية، أزال الحرج عن السلطة.
يمكن القول إن عنوان الصفقة هو "فرد عباءة السلطة على قطاع غزة " من الخارج، وذلك من خلال عدد من الإجراءات، تحديدا هي : تشكيل حكومة واحدة، ثم تواجد رسمي للسلطة في معبر رفح ومعابر غزة مع اسرائيل، ثم إعلان موعد للانتخابات الرئاسية والعامة بعد ستة أشهر من إعلان الحكومة، ولا شيء غير ذلك.
وكل ما تحت هذا العنوان يظل معلقاً مع الأيام، ورهناً بإرادة الطرفين ومراهناتهما على الوقت، وعلى شيطان التفاصيل، خاصة ما يتعلق منه بالانتخابات، وعلى ما ستؤول اليه الأمور لاحقا، ولكل منهما كما اشرنا مصلحة، في الاتفاق بهذا الشكل، "حماس" ستخرج من دائرة المسؤولية عن حصار وفقر وعزلة غزة، وهي بذلك ضحت بحكومتها مقابل الإبقاء على حكمها _ على الأرض _ ولو الى حين، لهذا يؤكد قادتها ليل نهار، على ان "القسام" سيظل تحت إمرة "حماس" ولن يخضع لأي حكومة ولا حتى بعد الانتخابات، لكن هذا القول – برأينا _ ما هو إلا محاولة لتحلية المر وتمرير "تسليم حماس" بل وهزيمتها في النهاية، وقبولها بما كانت ترفضه سابقا، فـ "القسام"، نعم سيبقى تحت مسؤولية "حماس"، كما هو هو حال "كتائب الأقصى" و"سرايا القدس" وكل الأذرع العسكرية للفصائل، وهذا لا يمنحه امتيازاً ولا سلطة خاصة على الأرض، وكان هذا حاله قبل عام 2006 / 2007، ويمكن للسلطة الشرعية، خاصة بعد الانتخابات، القيام "بحملة" لفرض السلطة الشرعية على الأرض واحترام اتفاقياتها ومعاهداتها، خاصة في حال التوصل لاتفاق سلام، ويمكن أعتبار المجموعات المسلحة في أية لحظة جماعات خارجة عن القانون، خاصة في غزة، المحررة من الاحتلال، وبالقول بان المقاومة مكانها الضفة وليس غزة.
بصفقة الشاطئ، فضلت "حماس" الحركة، وربما الحكم على الحكومة، لذا فبمجرد ان وقع هنية بالذات اعلان الشاطئ، توارى الرجل، فيما واصل ابو مرزوق ومعه قيادة "حماس" في غزة الحوار مع وفد "فتح، الذي بدوره اكتفى من حضور ( ما سمي بوفد م ت ف ) بتوقيع المصري، البرغوثي، الصالحي وشحادة على الإعلان، وهكذا، لم تعد هناك حاجة لا لفصائل قريبة من "فتح" ولا لتنظيمات موالية لـ "حماس"، ولا حتى لشخصيات مستقلة للجلوس مع الطرفين، حتى ولو كشهود على ما يرتبه الطرفان من مستقبل لكل الشعب الفلسطيني.
تضيق الدائرة، إذاً، ما بين "حماس" و"فتح" حتى انها تقترب من ان تكون دائرة مغلقة، تنطوي على جلسات شبه سرية، وعلى الطريق الى خروج إسماعيل هنية من حكم غزة، فإن غزة تتداول معلومات مؤكدة، مفادها إقدام الرجل على توقيع عدد كبير من قرارات التعيين وبأثر رجعي، بهدف توظيف عدد من كوادر "حماس"، بمن فيهم مستشاروه الذين قام بتعيينهم في وظائف رفيعة دائمة، بقصد تحميلهم على فاتورة راتب موظفي "حماس" في غزة، التي يقال إن صفقة الشاطئ تضمنت ان تتم تغطيتها من دافعي الضرائب في غزة . تماما، كما كانت تفعل حكومة هنية خلال سبع سنوات مضت، حين كانت تجمع نحو أربعين مليون دولار شهرياً من المواطنين لتغطية هذه الفاتورة، وبهذا فإن كلا من "فتح" و"حماس" حققتا مصلحة خاصة لهما في إعلان الشاطئ عبر تلك الصفقة، التي لم تضع حداً للانقسام على الأرض ولكن فقط من الخارج وفي الإطار، وجاءت على حساب الحق العام، حيث إن الحق العام يشمل ان يكون التقدم للوظيفة العامة بناء على مسابقة وان يتم الاختيار لها وفق شروط عامة، كما أن الحق العام يتضمن أن يحافظ دافع الضرائب على حقه في تحديد طبيعة وجوهر الحكم، من خلال إجراء الانتخابات في موعدها، ان كانت بلدية أو برلمانية، فضلا عن قدرته على مساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية كل الوقت وفي أي وقت.