منذ أوسلو، وربما قبله، لا أذكر أن فلسطينيي الشتات قد انتفضوا نصرة لأهلم وقضيتهم، كما فعلوا في الأسابيع الثلاثة الأخيرة ... لقد دخلوا على خط معركة القدس وانتفاضتها و»سيفها»، وبمئات الآلاف، ومعركتهم ما زالت مستمرة حتى الآن.
ولقد كان واضحاً، أن «القوة المحركة» لانتفاضة الشتات الفلسطيني، هم أبناء وبنات الجيلين الثالث والرابع من اللاجئين الفلسطينيين، ولهم يُنسب أكثر الفضل، في معارك «الديجيتال» و»السوشيال ميديا» التي أجادها الفلسطينيون وإخوانهم العرب، كما لم يحدث من قبل.
معظم هؤلاء، الشباب بخاصة، ليست لديهم ذاكرة «شخصية» عن معارك الفلسطينيين وحروبهم وانتفاضاتهم السابقة، لديهم ذاكرة مستوحاة من «هويتهم»، ومن قصص الآباء والأمهات، وسير الأجداد الأوائل، لديهم المعرفة المستقاة من أسئلتهم البريئة حول من يكونون، وما الذي حلّ بهم، وكيف انتهوا إلى المغتربات وأماكن اللجوء البعيدة والقريبة.
غالبيتهم الساحقة، ليست لها صلة بالمنظمة والسلطة ولا بالفصائل، تحركهم قضيتهم وهويتهم، وصور المجد والبطولة التي يسطرها أخوانهم في الوطن المحتل والمحاصر، وضميرهم استيقظ على هول المأساة التي تحل بغزة والقدس والضفة، ومظاهر التمييز العنصري البغض التي يرزح تحتها، أهلهم في مناطق «الاحتلال الأول-1948».
لقد شكلوا فيلقاً جباراً، خاص المعركة مع غزة والقدس، بكل الكفاءة والاقتدار، وأحسب أنهم بقليل من «التنظيم»، يمكن أن يشكلوا، كما كانوا في بواكير الثورة، رافداً لا ينضب للحركة الوطنية الفلسطينية، بل وأن يتولوا دوراً قيادياً مبادراً في استنهاضها من جديد، سيما وأن كثرتهم، تفتحت في الغرب، ودرست في مدارسه وجامعاته، ونشأت على «العقل النقدي»، ولم يدخلوا في علاقات «زبائنية» من أي نوع، لا مع المنظمة ولا مع فصائلها أو الفصائل التي ما زالت خارجها.
لقد رأيت شعارات وشاركت في مناقشات، عبّر خلالها نفرٌ منهم، عمّا يجيش في عقول وصدور غالبيتهم: نعم لمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، بيد أنها نعم «مشروطة»، بأن تكون المنظمة، حاضرة بينهم، ومعبرة عنهم، وفاتحة أبوابها وذراعيها لهم للانخراط في مؤسساتها ومنظماتها، قاعدياً وقيادياً ... لا أحد يرتضي بمنظمة عبارة عن «غرفتين وصالة» في رام الله ... لا أحد يريد هذه الجثة الهامدة أن تظل تنطق باسمه، وتصادر تمثيله، وهي الغائبة عن سبق الترصد والإصرار، عنه وعن همومه وأشواقه.
لقد رأيت شعارات وبوستات، وانخرطت في مناقشات، تدعو لتمثيل الشتات الفلسطيني بشكل لائق في مؤسسات المنظمة ومنظماتها وأطرها، ليس من خلال «كوتا فصائلية»، فاسدة ومُفسدة، بل عبر صناديق الاقتراع، رأيت وسمعت، نداءات ضاجّة بالرغبة في دمقرطة المنظمة وتشبيبيها وتفعيلها، ومن المؤسف أنها لم تصل إلى صناع القرار في رام الله وغزة، بالقوة المطلوبة.
هنا يحضرني نداءان: الأول؛ لقيادة المنظمة وفصائلها، ولحماس والجهاد من خارجها، أن اشرعوا في التحضير لانتخابات حرة ونزيهة لاختيار ممثلي الشتات في الأطر والمؤسسات والمنظمات ... تلكم عملية، ستستغرق وقتاً طويلاً، لحصر الفلسطينيين ورسم خرائط انتشارهم، وإعداد كشوف الناخبين، وتمكين المرشحين والناخبين من بدء العمل لخوض انتخاباتهم المقبل، والسعي لتذليل أية عقبات تحول دون إجراء هذا الاستحقاق في هذه الدولة أو تلك...هذه ليست مهمة سهلة، ولا نزهة قصيرة، يجري البت بها قبيل موعد إعادة تشكيل المجلس الوطني بأيام أو أسابيع، فمن يفعل ذلك، لا يريد انتخابات ولا من ينتخبون أو يترشحون، من يفعل ذلك، يريد المضي في نظام «الكوتا الفصائلية» البائس.
والنداء الثاني؛ للجاليات في الشتات، وقادتها ونشطائها بخاصة، أن اشرعوا في تسجيل أبناء وبنات جالياتكم، وارسموا خرائط انتشارهم في دولكم، وابحثوا عن الفرص والعوائق التي يمكن أن تعترض الانتخابات، وأعملوا على تعظيم الفرص وتذليل العقبات... لا تنتظروا السلطة، فقد لا تأتي، واسعوا في فرض خيارتكم وبدائلكم، قبل أن يفرضوا عليكم رجالاتهم وأزلامهم و»مؤمياءاتهم» ... توصيتي لكم، أن ارفعوا شعار «نريد انتخاب ممثلينا» للمجلس الوطني، عبر صناديق الاقتراع، إلى جانب شعاراتكم الحارة، المنددة بعدوان إسرئيل على الشعب الفلسطيني والمتضامنة، مع القدس وغزة والضفة و «فلسطينيي 48» كما تشاؤون.