قبل لحظات فقط من انتهاء المدة القانونية، أبلغ المكلف تشكيل الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، بأنه قد نجح أخير في تشكيل الحكومة، وذلك بعد أن حصل على تواقيع ثمانية أحزاب ممثلة في الكنيست باثنين وستين عضواً، ليبدأ بذلك عهداً جديداً في الحياة الداخلية الإسرائيلية، أهم سماته أنه يضع حداً لعهد بنيامين نتنياهو الذي استمر رئيساً للحكومة منذ العام 2009، دونما انقطاع، ولتبدأ مهلة أخرى مدتها اثنا عشر يوماً، لتنال الحكومة الجديدة ثقة الكنيست الرابع والعشرين، وإلا فإن إسرائيل ستعود مجدداً إلى دوامة الشلل السياسي، بالذهاب لانتخابات خامسة، تعتبر مرعبة لجميع الأحزاب التي تناحرت على السلطة.
إن نجح لابيد في تشكيل الحكومة، ومن ثم في نيل ثقة الكنيست، أي توفير الأغلبية البرلمانية، فإنه يكون بذلك قد وصل للنهاية السعيدة، لمعسكر خصوم نتنياهو، الذين ساروا على طريق طويل وشاق، منذ سنوات، وبالأخص خلال العامين الماضيين، وخاضوا أربع جولات انتخابية من أجل تحقيق هذا الهدف، ونحن نضع هنا أداة الشرط (إن) نظراً إلى أن المخاض العسير للتوصل للاتفاق الائتلافي بين ثمانية أحزاب من أصل ثلاثة عشر، ممثلين في الكنيست الحالي، لم تنته فصوله بعد، فأغلبية عضوين، ليست كبيرة، بحيث يمكن لعضوين منشقين أن يخربا كل شيء !
هذان العضوان قد يكونان النائبين على قائمة «يمينا» نير أورباخ وعميحاي شكلي، اللذين عارضا منذ تكليف لابيد الشراكة مع نفتالي بينت، خاصة بوجود ميرتيس، لكن مع ما هو معروف عن انتهازية الساسة الإسرائيليين، يمكن القول إنه يمكن تجاوز هذه العقبة الأخيرة، خاصة وأن النائبين المذكورين، سبق لهما وأن حددا نتنياهو كمسؤول عن الفشل الإسرائيلي، وكذلك معارضتهما الذهاب لانتخابات خامسة، وقبل إعلان التوصل للاتفاق الائتلافي الذي كانت آخر محطاته التوقيع مع منصور عباس، كانت ايليت شاكيد، الشخصية الثانية في حزب يمينا، قد اعترضت طريق الاتفاق بين لابيد وبينيت، بالمطالبة بأن تكون هي عضو لجنة القضاة بدلاً من زعيمة حزب العمل، لتنتهي المشكلة بالاتفاق على تداول المنصب بين السيدتين.
لكن إن حدث هذا، فإنه يبقى أمام يائير لابيد اللجوء إلى القائمة المشتركة لتوفير شبكة أمان خارجية، ليست مضمونة من جهة «المشتركة» بدون ثمن سياسي، ومن جهة ثانية، ستوسع دائرة المعارضين بين نواب الأحزاب اليمينية الثلاثة المشاركة في ائتلاف حكومة لابيد_بينيت .
أول وأهم ما يمكن لحظه على هذا التشكيل، هو دقة وصف بيني غانتس، الذي يمثل القاسم الوحيد المشترك بين الحكومة الحالية والحكومة المرتقبة، باحتفاظه بحقيبة الدفاع، أي أنها تمثل ألوان الطيف السياسي الداخلي، ففي الحكومة ثلاثة أحزاب يمينية هي «يمينا»، «إسرائيل بيتنا»، و»أمل جديد» بمجموع نواب يبلغون العشرين نائباً، ثم أحزاب وسط، هي «هناك مستقبل» و»أزرق_أبيض» بمجموع نواب يبلغ 25 نائباً، ونواب اليسار (العمل وميرتس) بثلاثة عشر نائباً، وأخيراً القائمة الموحدة بأربعة نواب، وفقط من هم خارج الحكومة الأحزاب الدينية!
ثم يلاحظ بأن مهندس الحكومة، لن يكون رئيساً لها في النصف الأول من ولايتها، على أقل تقدير، بما يعني بأنه قد أدى عمله، كما لو كان مخرجا لمسرحية تشكيل الحكومة، فيما بطلها سيكون نفتالي بينيت، الذي يقود سبعة نواب فقط، يظهر اثنان منهم، الاعتراض حتى اللحظة، على تشكيل الحكومة.
وتبقى مشاركة حزب عربي، هي الظاهرة الأبرز، كونها تحدث للمرة الأولى، وقد حدث من قبل أن وفر النواب العرب الممثلون لأحزاب عربية، شبكة أمان لحكومة اسحق رابين عام 1994، لكن نواباً عرباً، لم يصلوا من قبل لأبعد من نائب وزير، فيما يخص من وصلوا للكنيست عبر الأحزاب الصهيونية، خاصة الليكود والعمل.
أما منصور عباس، فقد شغل من قبل منصب نائب رئيس الكنيست السابق، ممثلاً للقائمة العربية المشتركة، حيث كانت تمثل ثالث أكبر قوة في الكنيست، ورغم أنه لم يعلن بعد عن منح «العربية الموحدة»، لأي منصب وزاري، فإن ذلك الأمر ممكن، ومع ذلك تبقى المشاركة الرسمية لحزب عربي في القاعدة البرلمانية لحكومة إسرائيلية ظاهرة تحدث لأول مرة.
في حقيقة الأمر، فإن مفتاح انتقال دفة الحكومة من نتنياهو لمعسكر التغيير كان جدعون ساعر وحزبه «أمل جديد»، والذي كانت مشاركته في حكومة برئاسة نتنياهو شرطا لنفتالي بينيت، فيما كان منصور عباس جاهزاً لاتخاذ نفس الموقف مع نتنياهو، وكان نتنياهو سيواجه معارضة الصهيونية الدينية لمشاركة عباس، بقوة أكبر من معارضة اورباخ وشكلي، أي أن المشكلة لم تكن عند عباس، حتى بالشراكة مع حكومة يمين_يمين متطرف، ذلك أن عباس، سبق له وقدم أوراق اعتماده للأحزاب الصهيونية، منذ أن وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهابية، كذلك هو وريث لأرث القائمة العربية الموحدة، التي لا تقدم سوى برنامج خدماتي، ولا تتدخل في الشأن السياسي، لا فيما يخص عنصرية الدولة، التي تتمحور حول قانون القومية، ولا فيما يخص الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، والأهم أن «العربية الموحدة»، لا تقدم نفسها كممثل للأقلية العربية داخل إسرائيل. لذا كانت مشاركة العربية الموحدة أسهل على حكومة ليست يسارية، بل أغلبيتها من اليمين والوسط والأمن، من الدعم الخارجي للقائمة المشتركة بنوابها الستة_التي كانت ستمنع ابتزاز نائبي «يمينا»، بتوفير أغلبية 64 نائبا_ والتي كانت ستطالب الائتلاف بخطوط عامة للحكومة تنص على إطلاق العملية السياسة مع فلسطين وإنهاء الاحتلال، وتطالب بإلغاء قانون القومية العنصري .
لم ينته كل شيء بالنسبة لليكود ونتنياهو، فهما على الأغلب سيبذلان كل ما في وسعهما للضغط على اورباخ وشكلي، من خلال حليفهما الذي سبق لهما ودفعاه للانشقاق عن يمينا_بينيت، ونقصد بتسلئيل سموتريتش، وأخطر من ذلك هو بقاء نتنياهو رئيسا للحكومة، حتى أداء الحكومة الجديدة القسم ونيل ثقة الكنيست، حيث حتى الولايات المتحدة تخشى قيامه بشن حرب على إيران، فيما قد يقدم مناصروه على فعل احتجاجي داخلي عنيف، على طريقة أنصار دونالد ترامب تجاه الكابيتول، عشية التصويت في الكنيست على حكومة التغيير لنيل ثقته.