كان يفترض أن تنعقد، اليوم، أولى جلسات اجتماع القاهرة للقوى الفلسطينية.
وكأنه محرم على الناس، أهل الوطن الأصلاء أن يعيشوا مع الفرح سوى لفترات قصيرة.
نعم، عشنا نحن أهل فلسطين في كل مكان أياماً مع الفرح، رغم ما دفعناه لهذا الفرح من ثمن من أهلنا وأحبابنا وناسنا وأولادنا وعمراننا وكل مقدراتنا. استمر فرحنا المباشر أحد عشر يوماً، هي عمر الاشتباك المتصدي للعدو والمؤذي لإمكاناته وقدراته ولغطرسته وادعاءاته. وظل الفرح قائماً وممتزجاً مع الاعتزاز والقدرة على الصمود وعلى الرد المتكافئ.
لكن ما أعطى الفرح عمقاً نوعياً وسحراً إضافياً، أنه امتد منتشراً جامعاً وموحداً لكل أهل الوطن في جميع أراضي الوطن (القدس والضفة وغزة وأراضي 1948)، وأيضاً في تجمعاتهم الكثيرة خارج الوطن، في وحدة وتلاحم أعادت أفراح وأمجاد الانتفاضة الشعبية الأولى.
لكن الفرح تواصل بعد تلك الأحد عشر يوماً، واستمر متعلقاً بالآمال التي خلقتها أيام الاشتباك المباشر وقوتها وشمولها. وفي المركز من الآمال، تلك المتعلقة بترتيب أوضاعنا الداخلية، واستعادة وحدتنا في كل المجالات المؤسساتية والبرنامجية النضالية، وفي الهيئات والمؤسسات القيادية، ليقود كل ذلك إلى تعزيز قدراتنا وإمكاناتنا على زيادة وتطوير إنجاز شعبنا في مقاومته للاحتلال بكافة أشكال المقاومة المتاحة، وتطوير فعلنا لصالح قضيتنا الوطنية وتحقيق أهداف نضالنا الوطني. وليقود أيضاً، إلى زيادة قدرتنا على الاستفادة من المتغيرات الإيجابية التي حصلت لصالح قضيتنا الوطنية ونضالنا الوطني، وأهدافه على المستوى الدولي بمؤسساته وهيئاته الرسمية والأهلية.
ومن هنا جاء التطلع العام إلى اجتماع القاهرة لكل قوى وفصائل النضال الوطني الفلسطيني، بلا استثناء، بكل الأمل وبكل الثقة أيضاً، وفي تجاهل إرادوي لكل خيبات الاجتماعات الشبيهة السابقة.
ومن هنا أيضاً، كانت خيبة الأمل الكبيرة والعميقة والمؤلمة في استقبال الإعلان عن تأجيل الاجتماع إلى أجل غير مسمى، وبما يفهم أنه إلغاء له، وبما يفهم أيضاً، أنه استقرار وسكون الجميع في مربع الانقسام البغيض بكل قواعده وتعبيراته وويلاته وآلامه.
يحصل ذلك في وقت لا تزال المعارك مفتوحة مع العدو وعلى نفس العناوين التي أوصلت إلى المعركة الأخيرة: القدس والأقصى، الشيخ جراح وأحياء سلوان، والاستيطان في الضفة والحصار على قطاع غزة، والاضطهاد لأهلنا في مناطق 1948 والملاحقة لنشطائهم.
ويحصل ذلك في وقت يستمر ويتصاعد فيه سباق وتنافس مؤسسات وهيئات وقوى دولة الاحتلال في التصلب والعدوانية والتوسع الاستيطاني، في كل ما يتعلق بنا وبحقوقنا وبالتعامل معنا.
لا تفسير يمكن أن يكون مقنعاً ولا حتى مقبولاً سوى ربما استعجال البعض وتسرعه في توظيف ما أفرزته المعركة الأخيرة - حسب قراءته الخاصة - من تغييرات واسعة في توازن القوى الداخلي الفلسطيني لصالحه، واستعجال توظيفه في تعديلات أو تغييرات واسعة في قوة حضوره ووجوده وتأثيره في قيادة المؤسسات الفلسطينية الجامعة، بدءاً من منظمة التحرير. وهذا أمر يمكن توقعه، ولكن كان يمكن لهذا البعض الانتظار لجولة لاحقة من جولات الحوار، وفي أجواء عامة أكثر مناسبة وأكثر راحة واستعداداً للتجاوب والتقبّل. خصوصاً أن قراءة هذا البعض ليست هي القراءة الوحيدة في الساحة الوطنية، فهناك قراءات أخرى تقود إلى تبني معالجات مختلفة، حتى ولو لم تقم على تناقض أو اختلاف جذري مع قراءة هذا البعض.
ثم لماذا لا يعود أمر الحسم في الأوضاع الداخلية وتوازنات الحضور، والتأثير فيها إلى أهل الوطن في انتخابات عامة حرة وديمقراطية تشارك فيها القدس بشكل كامل وتام.
خصوصاً أن هناك اتفاقاً مسبقاً عاماً وشاملاً بالذهاب إلى انتخابات عامة أعاقها وفرض تأجيل تنفيذها - وليس إلغاءها - منع دولة الاحتلال لإجراء الانتخابات في مدينة القدس. وهنا تبرز بشكل خاص قيمة التغير الإيجابي على المستوى الدولي، وإمكانية الاستفادة منه في رفع منع دولة الاحتلال لإجراء الانتخابات.
إن هناك عدداً من العناوين الوطنية العامة لا تحتمل التأجيل، ولا يفترض أن يكون حولها خلاف وطني ويقف في مقدمتها:
- استمرار التصدي للهجمة المستمرة والمتواصلة بكافة الأشكال على القدس: بذاتها، وبمقدساتها، وأحيائها.
- استمرار وتصاعد مصادرة الأراضي والاستيطان في الضفة الغربية.
– استمرار حصار قطاع غزة وضرورة إعادة إعماره ممّا ألحقه به العدوان الأخير من دمار واسع، طال فيما طال بيوت سكن عشرات آلاف المواطنين. وما يفرضه ذلك من تعامل مع المعيقات والشروط التي تضعها دولة الاحتلال. وهو عنوان لا يحتمل التأجيل.
- موضوع تبادل الأسرى مع دولة الاحتلال، وهو عنوان وطني عام بامتياز، حتى ولو استمر بمسؤولية معالجته المباشرة تنظيم محدد برضا وموافقة الكل الوطني.
هل يحق للناس الرجاء والأمل أن يكون الأمر فعلاً تأجيلاً وليس إلغاء، وأنه لن يطول ليعود بعدها العمل الجاد والمخلص لاستعادة وحدتنا الوطنية على كافة المستويات والمجالات.