يخطئ من يراهن على أي تغير في النهج السياسي لحكومة التغيير بقيادة بينت ولابيد ، وأغلب التوقعات أن يصوت «الكنيست» الإسرائيلي ، على «حكومة التغيير»، لينهي، في حال نيلها الثقة بأغلبية محدودة للغاية، اثني عشر عاماً من حُكم بنيامين نتنياهو، الذي سيسعى، إنْ كان في مستطاعه، إلى عرقلة الجلسة. ولكن تبقى فرضية نيل الحكومة العتيدة، الثقة، الأكثر رجحاناً، وهو ما سيعني انتقال «بيبي»، وحزبه، والأحزاب التي تدور في فلكه، إلى صفوف المعارضة، حيث سيحاولون إسقاط الائتلاف ، وبحسب التوقعات لن يتمكن من الصمود لأربع سنوات متواصلة
هل يَسقط حُكْم بنيامين نتنياهو وتُبصر حكومة خصومه السياسيين النور؟ وإنْ سقط، ما الذي يتغيّر في إسرائيل، وما تأثيره عليها وعلى محيطها ودورها وقدرتها على مواجهة تحدّياتها الأمنية التي تتعاظم مِن حولها وفي داخلها؟ يُفترض بـ» الكنيست» أن يَمنح، الثقة الأحد ، حكومة التغيير الثقة بأغلبية محدودة جداً، ويُسقط، بالنتيجة، رئيس وزراء استمرّ في منصبه اثنتي عشرة سنة بلا انقطاع. الثقة التي تُعدُّ الفرضية الأكثر رجحاناً، تبقى يقيناً ناقصاً إلى أن يعلن رئيس «الكنيست» انتهاء التصويت، ويدعو الحكومة الجديدة إلى أداء يمين الولاء. عندها، وفقط عندها، يسقط نتنياهو من دون أن ينتهي سياسياً، وينقل نفسه، وحزبه، والأحزاب التي تدور في فلكه، إلى صفوف المعارضة، ليعمل من هناك على إسقاط الحكومة أو التشويش عليها عبر تعزيز خلافاتها، علماً أن ما يُفرِّق فيها أكثر ممّا يجمع. في المقابل، سيكون واحداً من أبرز تحدّيات أركان الحكومة الجديدة، بمجرّد أن تنتقل السلطة إليها وتُحقّق بالتالي أهمّ أهدافها المتمثّل في إسقاط نتنياهو، تعزيز مكانتها لدى ناخبيها، تمهيداً لانتخابات مبكرة، لن تكون بعيدة على الأرجح، إذ من الصعب أن يصل عمر الائتلاف الوليد إلى الحدّ الذي يُسأل فيه عن استحقاق المداورة، بعد عامين، من أصل أربعة أعوام، هو عمره الافتراضي على الورق.
التطرّف المعروف عن رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد، نفتالي بينت، لا يعني أنه قادر على ترجمته أفعالاً على الأرض؛ إذ ستكون المؤسّسة الإسرائيلية معنيّة بالتدخّل لضبط إيقاع توجّهاته، ومنْع انزلاقها إلى ما يضرّ بأمن إسرائيل، وهو ما تلمّسه جيّداً خلال تولّيه وزارة الأمن، في واحدة من حكومات نتنياهو السابقة.
سيعمل حكّام إسرائيل الجُدُد على نهج التطرف والتوسع الاستيطاني والتسريع بمخطط التهويد للتعبير عن يمينيتهم لإرضاء جمهورهم، وخصوصاً عبر الساحة الفلسطينية ، وعلى صعيد السياسة الإسرائيلية الداخلية ، قد يكون إسقاط نتنياهو حدثاً تأسيسياً، يرتبط بخريطة التحالفات السياسية للأحزاب على اختلاف ميولها وتوصيفاتها، وربّما يؤدّي لاحقاً إلى تفكُّك كيانات سياسية وولادة أخرى، تدخل المشهد بشخصيات صفّ ثانٍ، لم تتعوّد إسرائيل على تواضع قدراتها وضآلة حضورها السياسي، في الداخل والخارج على السواء. وهذه واحدة من أهمّ ما تسبّب به نتنياهو لمَن سيليه في المنصب، مهما كانت هويّته.
- لا يُتوقّع تغيير في التحالفات مقابل التهديدات الأمنية، الداخلية والخارجية،. إذ سيبقى توصيف التهديدات على حاله، وكذلك خيارات إسرائيل في مواجهتها، وإنْ حصل تغيير ما فسيكون مرتبطاً بالخطاب السياسي لوجوه الحكومة الجديدة ورئيسها تحديداً، بما يتوافق مع ما يُعلم عنه من تطرّف. والأقوال هنا لا تنسحب بالضرورة على الأفعال.
- تبقى الإشارة إلى نقطة أساسية في تقدير ما سيلي في إسرائيل، وهي عقدة إثبات اليمينية بعد حملة «التشهير» التي طاولت أقطاب الحكومة الجديدة، وتحديداً رئيسها، وإلباسه « عار اليسار» . على أنه من المبكر تقدير ما ستتسبّب به هذه العقدة، وأيّ ساحة من ساحات المواجهة ستكون محلّاً للتعبير عنها بهدف إثبات نقيضها. وإنْ كانت ساحات التهديد كلّها، خاصة بعد المواجهة الأخيرة مع غزة - أقلّها سوءاً -، سيئة جداً.. في المواقع الأخرى، الأكثر خطورة، ستكون قرارات رئيس الحكومة الجديد وأقطاب حكومته مدروسة جيداً وبعيدة عن التطرّف، إذ إن اليمينية تتراجع أمام التهديدات الكبيرة وقدرة الآخرين على الإيذاء والردّ المؤلم، كما هو الحال في الساحة اللبنانية. وبدلاً من التطرّف، في حالة لبنان وإيران ، قد تدفع الحكومة إلى الانكفاء والامتناع عن إثارة التهديدات الكامنة فيه. هذا ما فعلته إسرائيل نتنياهو، وهذا ما يُرجّح أن تفعله أيضاً إسرائيل بينت - لابيد.