لم يعترض على بروز جهة تقول أنها «الجيش الوطني» لحسم الأمور المتفاقمة في ليبيا ووضع حدٍّ لفوضى مسلحة غدت تأخذ هذا البلد العربي إلى الإنهيار والإنقسام والتشظي إلا جماعة الإخوان المسلمون وبعض المحسوبين عليهم والدافع أنَّ هذا يذكرهم بحركة «يونيو» التي قامت بها القوات المسلحة المصرية ،إستجابة لرغبة شعبية عارمة عبر عنها أكثر من ثلاثين مليون مصري، وأطاحت حكم هذه «الجماعة» الذي لو أنه استمر لشهور قليلة فقط لكانت مصر ترزح الآن تحت نظام استبدادي يفرض مفاهيمه وتصوراته على الناس بإسم الإسلام بينما هو في حقيقة الأمر نظام الحزب الواحد.. مثله مثل أنظمة الأحزاب الإستبدادية التي حكمت في بعض الدول العربية وأوصلتها إلى كل هذا الذي وصلت إليه.
وبالطبع فإن «إخوان» ليبيا ،الذين يقف خلفهم وخلف بعض التنظيمات الإرهابية المتحالفة معهم المال السياسي الذي يُدفع لهم بسخاءٍ طافح من قبل «جهة» معروفة لا حاجة لذكر إسمها تفادياً للصداع وأوجاع الرأس، قد بادروا وقبل أن يتيقنوا من حقائق الأمور إلى إعتبار أن ما قام به الذين أعتبروا أنفسهم «الجيش الوطني» ثورة مضادة فهم ،أي جماعة الإخوان المسلمين، شركاء في هذه الفوضى التي بقوا يحاولون إستغلالها لحسم الأمور لمصلحتهم وتعويض الحكم الذي فقدوه في مصر ولم يعد هناك أي أمل بعودته إليهم.
لقد شارك الإخوان المسلمون ،الذين غير معروفٍ عنهم أنهم قاوموا وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً لا القذافي ولا جماهيريته، في إغراق ليبيا في الفوضى المسلحة التي ألغت الدولة الليبية وغيبتها نهائياً والتي مزقت البلاد وشرَّدت العباد وبالتالي فقد كان لابد من بروز قوة وسط كل هذا التشرذم لتضبط الأمور وتعيد ثورة شباط (فبراير) إلى مسارها الصحيح كما أستعادت حركة حزيران (يونيو) الثورة المصرية من خاطفيها إلى أصحابها الفعليين والحقيقيين.
إن الأمور في ليبيا لم تحسم نهائياً حتى الآن وإنَّ ما تركته سنوات حكم القذافي من تشوهات إجتماعية وسياسية قد تطيل بقاء هذه العصابات الإرهابية التي يتحالف الإخوان المسلمون هناك مع بعضها وللأسف وهذا يتطلب مساندة عربية عاجلة وبدون أي تردد للذين اعتبروا أنفسهم «الجيش الوطني الليبي» والذين أكدوا على أنهم ليسوا إنقلاباً عسكرياً وأنهم ليسوا جزءاً من ماضٍ قد ذهب وهو لن يعود أبداً وأنهم مصممون على إجراء إنتخابات ديموقراطية في أقرب فرصة ممكنة.
لقد تحولت ليبيا خلال العامين الأخيرين إلى «تورا بورا» أخرى وإلى أفغانستان جديدة فتنظيمات الإرهاب التي استوطنتها إستهدفت مصر تحديداً واستهدفت أيضاً كل دول شمالي إفريقيا العربية وهي ،أي ليبيا، إستقطبت خلال هذه الفترة القصيرة التنظيمات الإرهابية المنضوية في إطار «القاعدة» وفي إطار غيرها وهذا ما أصبح يستوجب تدخلاً إقليمياً ودولياً ليس بالضرورة على غرار غزو أفغانستان في عام 2001 ولكن ،على الأقل، من خلال دعم من أعتبروا أنفسهم «الجيش الوطني الليبي» وتقديم كل مساندة سياسية وإعلامية لهم.
إنه من غير الجائز أن تتخذ الدول المتضررة من تحول ليبيا إلى بؤرة إقليمية إرهابية على غرار «تورا بورا» موقف النأي بالنفس تجاه المستجدات الأخيرة في هذا البلد ،الذي يتوسط منطقة حساسة بالفعل مُواجهةً لأوروبا من الجهة الجنوبية ومتداخلة مع إفريقيا في نقاط كثيرة ومتعددة،.. فـ»الساكت عن الحق شيطان أخرس» ومن لا يبادر لإطفاء النيران القريبة منه لابد وان يكتوي بجمرها وبألسنتها في النهايةِ لا محالة.. وحقيقة أن هذا الكلام موجه بالدرجة الأولى إلى مصر وأيضاً غلى تونس والجزائر والممكلة المغربية.
نحن لا نتحدث عن دولة مستقرة وآمنة حتى يقال أنه لا يجوز التدخل في الشؤون الداخلية لدولة عربية شقيقة نحن نتحدث عن بلد أصبحت فيه الدولة غائبة غياباً نهائياً وأصبحت فيه جماهيرية القذافي جماهيريات أَحْياءٍ وشوارع صغيرة تسيطر على كل شارع وحيٍّ منها منظمة أرهابية تسلب وتنهب وتقتل وترتكب كل الموبقات والمحرمات.. والأخطر أن هذه المنظمات أصبحت جزءاً من شبكة «القاعدة» التي ضربت قبل أيام في الجزائر والتي تضرب الآن في العديد من الدول الإفريقية والتي غدت بمثابة أحلام وكوابيس مرعبة بالنسبة للعالم كله.