يبدو ان الرسالة لم تصل رغم وضوحها وبساطتها، الهدوء والترقب الذي كان السمة الرئيسية للشارع وهو يتابع الإعلان عن اتفاق المصالحة. وبينما يتنقل المتصالحون من فضائية الى أخرى ومن مؤتمر صحفي الى مؤتمر آخر، كان الشارع الفلسطيني ينظر بطرف عينه نحو الاحتفالات دون ان تنجح تلك المشاهد الدرامية في انتزاع التصفيق والدعوات بطول العمر او المدائح وعبارات الشكر التي كان ينتظرها الموقعون على "المصالحة"، أو خططوا لها وحلموا بها طويلا.
الصور والاحتضان والعناق وتبادل القبل لم تجد نفعا، الناس في الشارع منشغلين بأمورهم، على اية حال مظهر العناق، لم يعد مؤثرا، اضافة الى مرجعياته التي تشي بالخفة والارتجال ولا تنسجم مع حدث وطني منشود مثل "المصالحة".
اعلان رئيس الوزراء المقال، الذي لم يستقل بعد، بأنه سيضحي بـ "موقعه" من أجل وحدة الشعب والوطن، لم يحرك ايدي الناس ولا قلوبهم، لعله يذكر بتصريحات نفس رئيس الوزراء المقال، عشية الانقلاب بأنها، رئاسة الوزراء، "سعت الينا ولم نسع لها" ! وللحقيقة انها سعت ووجدت متسعا في الرغبة والمكان والوقت حتى أكملت أعوامها الستة، وبحيث يبدو فراقها، بعد هذه العشرة، تضحية تستحق التبجيل!
لقد اتضح أن هناك فجوة واسعة بين فهم الشارع ومطالبه من "المصالحة" وفهم الفصائل ومطالبها، مرة أخرى "مصطلح المصالحة" لا يشي بالجدية أيضا، بقدر ما يوحي بالتخبط وسوء ادارة الأمور.
فهو يفترض أولا، المصطلح، غياب المحاسبة ، في سياق ان "الجميع ارتكبوا أخطاء وعفا الله عما سلف"، رغم أن "ما سلف" الذي تم العفو عنه بتأثر شديد، كما اشارت الصور، هو ستة أعوام من الجوع والقهر والإذلال والضحايا والتحكم برقاب وارزاق وحياة الناس، الناس الذين يواصلون مراقبة "المسيرة" دون أن يصفقوا.
صمت الناس كان واضحا وعفويا، فهم مع انهاء الانقسام من خلال تفكيك أسبابه وآلياته، وسيكون من الصعب عليهم القاء ثقتهم كاملة في سلة الاتفاق الذي ، لأمور فصائلية، لم يعلن كاملا، لن يصفق الشعب "لأسرار" لا يعرفها ، لقد صفق ثلاث أو أربع مرات قبل الآن وهو يركض بأحلامه خلف "جلسات الحوار الوطني"، من الدوحة الى القاهرة وجدة والرياض ، نفس الأشخاص تقريبا، وهم أيضا نفس الأشخاص مع تعديلات طفيفة، الذين برروا الانقسام في حينه.
الناس/ الشعب بحاجة الى ما يلتقطونه على الأرض وليس في الفضائيات، لذلك ستبدو احكام الإعدام المتوالية في غزة، لايكفي ان يعلن ناطق ما تهمة ما ليبدو الأمر شرعيا، آلية من آليات الانقسام، وستبدو اعلام الفصائل التي تطغى على العلم الوطني عودة الى بيئة الانقسام، وسيبدو صادما ومثيرا للأسى حشر صور مرسي ورفع شعار رابعة في مسيرات التضامن مع الأسرى، الأسرى الذين دخل اضرابهم في سجون الاحتلال يومه السادس والعشرين ووصل حافة الشهادة، ليس من حق أحد استثمار نضالاتهم وزجها في بازار الصراع في المنطقة مستفيدا من "المصالحة""
طالما ان هذه السلوكيات قائمة فإن الكثير من الشكوك وعدم الثقة سترافق اي حديث عنها، أقصد " المصالحة".