حكومة نفتالي بينيت- لابيد تختلف في الكثير من الأمور عن الحكومات السابقة التي ترأسها بنيامين نتنياهو منذ العام 2009 وحتى الثالث عشر من هذا الشهر، فهي تختلف في تركيبتها العجيبة التي تضم أحزاباً وقوائم من أقصى اليمين حتى أقصى اليسار الصهيوني، وهي تتميز بسابقة تاريخية بمشاركة «القائمة العربية الموحدة» في الائتلاف الحكومي لأول مرة في تاريخ إسرائيل. وبرنامج الحكومة مليء بالتناقضات والمشاكل بالنظر لاختلاف مركبات الحكومة من حيث الأيدولوجيا والمواقف تجاه الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومنذ الاجتماع الأول للحكومة يوم الأحد الماضي بدأت تظهر التناقضات في أول قضية خلافية، وهي مسألة لم الشمل للمواطنين الفلسطينيين من الضفة والقطاع المحتلين الذين تزوجوا من مواطنين فلسطينيين في إسرائيل، حيث تعمل الحكومة الإسرائيلية على تمديد سنوي لقانون مؤقت يحول دون منحهم هوية إسرائيلية. وقد جاء موعد التمديد وترك نتنياهو عملية التمديد للحكومة الحالية حتى يحرجها ويضعها في مأزق. وقد تم تأجيل التصويت على تمديد القانون حتى يتم حل المشكلة والتوافق على حل يرضي «القائمة الموحدة». وفي كل مرة تصطدم الحكومة بقضية مختلف عليها يتوجب عليها التوصل إلى حلول وسط ترضي جميع أطراف الائتلاف.
وهناك اختلاف آخر مهم عن حكومات نتنياهو، من بين أمور أخرى كثيرة، يتمثل في الموقف تجاه حركة «حماس» والتعامل مع قطاع غزة. فنتنياهو على سبيل المثال كان يتعامل مع «حماس» على قاعدة الاستخدام لأغراض سياسية، وفق معادلة أن تكون قوية بما يكفي لتسيطر على قطاع غزة وتضمن الأمن فيه بما في ذلك الالتزام بالاتفاقات مع إسرائيل، وضعيفة إلى درجة عدم قدرتها على تهديد الأمن الإسرائيلي بصورة جوهرية واستراتيجية. وبطبيعة الحال يريد نتنياهو الإبقاء على الانقسام الفلسطيني وتشجيعه، حتى يشكك في وجود شريك فلسطيني قادر على تطبيق أي اتفاق مع إسرائيل، وفي نفس الوقت التذرع بعدم قدرة إسرائيل على الانسحاب من الضفة الغربية بحجة أن «حماس» ستسيطر على الضفة وتهدد أمن إسرائيل وخاصة مركز البلاد. ولهذا امتنع نتنياهو طوال الوقت عن القيام بأي عمل يهدد بقاء سلطة «حماس» في غزة في الحروب التي خاضتها إسرائيل في عهده منذ حرب عام 2012 وحتى الحرب الأخيرة في أيار- حزيران من هذا العام.
الحكومة الحالية لا تريد «حماس» قوية في غزة كما كانت في عهد نتنياهو، فالأطراف اليمينية فيها من «يمينا» حزب رئيس الحكومة نفتالي بينيت و«أمل جديد» بزعامة جدعون ساعر، و«إسرائيل بيتنا» الذي يرأسه أفيغدور ليبرمان تريد القضاء على «حماس» ولا تحتمل وجودها باعتبارها «منظمة إرهابية» كما يصفونها- تهدد أمن إسرائيل ولا ينبغي التسامح معها. أما أحزاب الوسط واليسار فهي تريد إضعاف «حماس» وتقوية السلطة الفلسطينية، وتشعر أن سياسات إضعاف السلطة غير مفيدة لإسرائيل لأن السلطة شريك، و«حماس» ليست شريكاً. طبعاً مع وجود فرق بين موقفي حزب «العمل» وحركة «ميرتس» عن «أزرق- أبيض» و«هناك مستقبل». وحدها «القائمة العربية الموحدة» هي من يحمل موقفاً مختلفاً ولكنه حتى اللحظة غير مؤثر في موقف الحكومة. وربما يكون عكس ذلك في حال نشوب حرب وعندها قد تتدخل المعارضة اليمينية لدعم الحكومة.
ويعني هذا من الناحية العملية أن ردود فعل الحكومة تجاه أي عملية إطلاق نار نحو إسرائيل ستكون متشددة وقاسية للغاية. وهذا ما شاهدناه خلال الرد على إطلاق البالونات الحارقة من قطاع غزة. وتهدد الحكومة بالرد على كل عملية إطلاق للبالونات وتقول إنها تساوي بين البالون والصاروخ وهي فعلت ذلك مرتين. ولدى الحكومة كما يقول وزير الحرب بيني غانتس خطط عسكرية للتعامل مع غزة التي قد تشمل الذهاب حتى النهاية – حسب رأي بعض الخبراء - أي لعملية برية. وفي نفس الوقت باتت الحكومة تربط بين إعادة إعمار قطاع غزة واستعادة الجثث والمواطنين الإسرائيليين الأسرى في غزة. ومنذ جولة الحرب الأخيرة والقطاع يخضع لحصار مشدد وإغلاق شبه كامل وتم تقليص مساحة الصيد في البحر ووقف المنحة القطرية التي ترفض إسرائيل العودة إلى الطريقة التي كانت تصل فيها إلى غزة، أي إيصال المال «الكاش» في حقائب عن طريق مطار بن غوريون. كما أنها تريد طريقة مختلفة لإعادة الإعمار بحيث لا تتمكن «حماس» من الاستفادة من الأموال لإعادة بناء بنيتها العسكرية وتطويرها كما كان يحصل بعد الحروب السابقة.
وتحرص حكومة بينيت- لابيد على تبديد النصر الذي أعلنته «حماس» من خلال معادلة «الهدوء مقابل لا شيء»، بل والعودة للخلف وإظهار أن الأمور لن تعود إلى سابق عهدها بدون ثمن جديد. وربما هذا ما دفع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في قطاع غزة يحيى السنوار إلى التهديد بالعودة للمقاومة الشعبية أي البالونات وأعمال «الإرباك الليلي» والمسيرات على الحدود مع غزة إذا لم يتم استلام المنحة القطرية بدون شروط ورفع الحصار عن غزة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف يمكن حل المعادلة الجديدة مع الحكومة الإسرائيلية: هل هو بالتوصل لاتفاق شامل على التهدئة يشمل تبادل أسرى وترتيبات طويلة الأمد، أم بمواجهات وربما حرب طاحنة قد لا تؤدي إلى حلول جذرية للوضع المعقد؟