ثمة قناعة أردنية بإن مصر القوية والمتعافية ضرورة ملحة ومهمة وركيزة أساسية لقضايا العرب، والمعروف لدى الأردن أنه لا يمكن لأي دولة مهما كانت أن تملأ مكان مصر أو تعوض دورها القيادي والمحوري في الشرق الأوسط. على المستوى الثنائي بين البلدين تتسم العلاقات الأردنية المصرية بالثبات والاستقرار، وعقد الكثير من الاجتماعات والقمم الثنائية والمشتركة وآخرها القمة الثلاثية لعام 2021، وتواكب هذه الاجتماعات الثنائية والمشتركة نشاطات على مستوى دبلوماسي بين وزيري الخارجية أيمن الصفدي ونظيره المصري سامح شكري، إضافة الى زيارات عدة لرئيس الوزراء بشر الخصاونة الى القاهرة لمراجعة الملفات السياسية والاقتصادية والتبادل التجاري المنعقدة بين البلدين.
« المجال السياسي والأمن القومي» طبيعة التنسيق والتشاور المستمر بين البلدين وتوافق الرؤى والمصالح المشتركة، وإدراك التحديات والقواسم المشتركة، وتعزيز التعاون بينهما، من شأنه أن يفسر لماذا أصبحت هذه العلاقات «استثنائية» في جوهرها، ملهمة في تفاصيلها، تمثل حصنًا آمنًا، ليس للقاهرة وعمّان فقط، وإنما للمنطقة العربية بأسرها، استنادًا إلى ما للدولتين الشقيقتين من رصيد تاريخي واهتمام مشترك، وروابط وأخوة، ودعم غير محدود لقضايا الأمة العربية.
ثمة محاور رئيسية تكشف عمق العلاقة الوطيدة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وجلالة الملك، هذه المحاور وضعت خصوصية استراتيجية، ودشنت نموذجًا راسخًا ومختلفًا أيضًا للتعاون المثمر بين دولتين محوريتين في عالم مضطرب، وإقليم غير مستقر، ووطن عربي يقاوم من أجل البقاء، ويواجه خطر الإرهاب والتدخلات الأجنبية المستمرة، ومحاولات إسقاط الدولة الوطنية، والعبث بمقدرات الشعوب. يمثل الأمن القومي المحور الرئيسي في هذه العلاقة الاستثنائية بين مصر والأردن، فالمتابع لما شهده الأردن من إجراءات حاسمة وقرارات مصيرية للحفاظ على استقرار الاردن، سيجد أن مصر وقفت مع الأردن في كل قرارتها، والأمن القومي الأردني جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. إن هذا التضامن المشترك من أجل حفظ الأمن القومي لكلا البلدين، يؤكد، بما لا يدع مجالًا للشك، بُعد نظر القيادة السياسية في البلدين، وإدراكهما أن ما يربط بلديهما، من أواصر وعلاقات وقواسم مشتركة، هو قاطرةٌ لعمل عربي مشترك، يحفظ الأمن القومي، ليس للقاهرة وعمّان وحدهما، وإنما لكل العواصم العربية.
ويمثل تطابق وجهتي النظر المصرية والأردنية، تجاه القضية الفلسطينية، محورًا مهمًا من محاور العلاقة الاستراتيجية بين القاهرة وعمّان، فكلاهما يؤكد دائمًا أن غياب الحل العادل والشامل لهذه القضية من شأنه استمرار التوتر في المنطقة، كما يشددان على حل الدولتين الذي تقوم بمقتضاه الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على التراب الوطني الفلسطيني على حدود ما قبل 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
سيكون من المهم بالنسبة لمصر والأردن أن يتواصل بينهما التنسيق والتشاور والتعاون الاستراتيجي في تلك العلاقة الاستثنائية، ليشكل ذلك المسار «القاهرة ــ عمان»، حماية لأمنهما القومي، الذى هو بالطبع جزء أصيل من الأمن القومي العربي، وليكون نموذجًا ملهمًا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء، وليكون توافقًا يجسد خصوصية تلك العلاقة، كما وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسي في رسالته لجلالة الملك بمناسبة ذكرى مرور 100 عام على تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، بقوله: «لقد ثبت، بما لا يدع مجالا للشك، أن التوافق الاستراتيجي بين مصر والأردن قادر على التعاطي مع كل التحديات، ذلك التوافق النابع من أواصر العلاقات التاريخية الممتدة بين البلدين».
«المجال الاقتصادي والتبادل التجاري» على الرغم من العلاقات المتينة بين البلدين لكن لغاية الآن لم تتمكن الاتفاقيات والعلاقات الثنائية والمشتركة من تذليل العقبات في طريق التعاون الاقتصادي المثمر لتغدو العلاقات أكثر نفعا وجدوى قوية لاقتصاد الطرفين. تابعنا وعلى مدار سنوات زيارات مكثفة لوفود وزارية، تنتهي بإعلانات متبادلة عن بداية لعهد جديد في العلاقات، وحل المشاكل العالقة، خاصة من الجانب الأردني، لكن بعد كل هذه السنوات ما يزال القطاع الاقتصادي الأردني يشكو من نفس المعيقات، كتسجيل الدواء الأردني في مصر، واشتراط إجراء فحوصات مخبرية وإصدار شهادات من مصر، وتأخر تخليص شحنات البضائع الأردنية في ميناء الإسكندرية، ومنع عبور الشاحنات الأردنية إلى ليبيا، وغيرها الكثير. وهي المشكلات التي تجعل الميزان التجاري يميل بشكل كبير لصالح مصر. لا يمكن أن تستمر مثل هذه المشاكل قائمة بين البلدين، بينما يستعدان لتدشين شراكة استراتيجية ثلاثية مع العراق، في مجالات الطاقة والتجارة والمشاريع المشتركة. هناك شراكة أردنية مصرية قوية في مجال الغاز والربط الكهربائي، ويمكن أن تتطور أكثر في حال تنفيذ مشروع أنبوب النفط من البصرة إلى العقبة وصولا إلى مصر. أشكال التعاون بين البلدين كثيرة وتشمل قطاعات العمالة والسياحة والتعليم وثمة فرص واعدة في المجال الزراعي والاستثمارات.