في تركيا والإمارات تجربة متشابهة، بشأن تبرعات المساجد، وفي مساجد البلدين، لا ترى صندوقا نبت فجأة عند بوابة المسجد، لشخص يقول إنه يبني مسجدا، فلا تعرف دقة الكلام من عدمه، عدا عن أن المال المدفوع بلا وصل مالي، أو وثيقة تثبت قيمته.
أمام بوابة مسجد في اسطنبول، وآخر في أنقرة، واليوم يوم جمعة، ذات ما تراه في دول اخرى، ومدن عربية، وعلى بوابة مسجد في الشارقة كان المشهد يتكرر بطريقة حرفية.
الموظف الرسمي الذي يقف عند بوابة المسجد والناس يدخلون للصلاة، او عند خروجهم، يحمل دفاتر كوبونات رسمية مختومة ومرقَّمة ومن فئات مالية محددة، مسبقا، بحيث ان بإمكانك أن تدفع دينارا مثلا وتأخذ كوبونا بقيمة دينار، من الدفتر المخصص مثلا لتأمين مياه الشرب الباردة للمسجد، أو الدفتر المخصص للصدقات، أو الدفتر المخصص للأيتام، أو تعليم الطلاب أو ترميم البيوت، أو صيانة المسجد.
دفاتر الكوبونات مختومة من الجهات الرسمية، ومنوَّعة التوظيفات، ومن فئات مالية متعددة، بسيطة ومتوسطة ومرتفعة، ويكفي أنها تمنحك الفرصة لتحديد مصرف مالك، وتعطيك ضمانة بأن المال يذهب بطريقة موثوقة، ومحددة تعرفها بشكل مسبق.
هنا في الأردن، لا نخوِّن أحدا بشكل مسبق، إذ أن هناك صناديق مفتوحة يتم دفع مبالغ ماليه فيها بشكل متنوع، فلا تعرف لماذا تدفع المال، وهل هو لفقراء الحي، أم لصيانة المسجد؟!
لا تعرف أيضا معايير الصرف بشكل دقيق، رغم وجود لجان في كل مسجد وحيٍّ وهي لجان نراها مُؤتمنة من حيث المبدأ، ومع هؤلاء يأتيك حملة الصناديق الخشبية ولا تعرف اساسهم حتى لو طلب منا الإمام الدفع لهم، لبناء مسجد، فهو لا يعرفهم إيضا إلا من الأوراق التي تكون بحوزتهم، والله وحده يعلم صدقية تلك الاوراق.
نريد أن نقول لوزير الأوقاف، و وزيرة التنمية الاجتماعية، ولكل واحد منهما إنه لابد من أفكار خلاَّقة، في هذا الصدد، أبرزها نسخ هذه النماذج التي تحدثت عنها، و وضع معايير، بدلا من إحراج المصلي بالقول له انه اذا اراد وصلا فسيتم منحه، وكأن السائل يختبر كرم ونظرة المتبرع اليه، فلا يقبل بوصل ولا بغير ذلك، مفضلا التصدّق والذهاب.
لابد اليوم من ابداع عشرة مصارف للمال، او اكثر، وانشاء نظام يفوض اشخاص محددين باستلام هذه المبالغ، وربط العملية بالحصول على كوبونات بشكل مباشر، وتحديد قيمة الكوبونات من نص دينار الى دينار الى خمسة دنانير، فأكثر، وكل فئة من فئات الصرف لها دفاتر كوبوناتها ومن فئات مالية متدرجة.
رأيت مصليا يتبرع بما قيمته عشرة دنانير فقط، لكنه وزَّعها على عشرة مصارف، من المياه الباردة، الى الأيتام وغيرهم، وبحيث حصل على كوبون واحد بقيمة دينار عن كل مصرف.
ترك المساجد لحملة الصناديق الخشبية أمر غير مناسب، والناس فيهم خير كثير، لكنهم دوما يدفعون وهو يقولون في صدروهم إن الله أعلم وحده اين يذهب المال، ومنذ اليوم يمكن تكرار هذه التجربة، مع ضمانات مسبقة بعدم تزوير الكوبونات، عبر تحديد من يجمع المال في كل مسجد، ومن عليه المحاسبة بشأن المال الذي يجمعه مقارنة بما خرج من كوبونات من عنده بعد كل صلاة، والعملية يمكن ترتيبها بطرق مختلفة.
اموال الصدقات في الأردن سنويا تقدر بمئات الملايين تذهب بطرق مختلفة، وكثيرا ما تسمع شكوى مرة من المتصدِّقين ان كل شيء يخرب ويعود للوراء، برغم كل جهود اطفاء الفقر، والكلام صحيح، لأن هناك اشكالات كثيرة، اقلها عدم التنسيق بين مؤسسات الخير، عدا عن أنه لا أحد يعرف عمَّا يفعله الآخر، فيما يحصل كثيرون على مساعدات اضعاف غيرهم، لأنهم اكثر حركة، او حيوية بتأمين مصالحهم.
والكلام بين يدي كل وزير له علاقة بهذا الشأن، وهو كلام يقال لله فقط.