يحملُ عالمنا المتناقض عدستين اثنتين في يديه. الأولى مُحدّبة يكبّر بها مآسي وأوجاع وأرقام فيروس كورونا، الذي اجتاحنا قبل أكثر من عام ونصف العام. وفي الثانية يحملُ عدسة مقعّرة تشتت الانتباه عن قضايا أزلية ما زالت أكثر وجعاً وألماً من كورونا وبلاويها: الجوع.
فإذا كنا نتألم من أن فيروس كورونا المتجدّد يقتل في كل دقيقة 7 أشخاص حول العالم، حسب تقرير صدر عن منظمة «أوكسفام» قبل ثلاثة أيام، فعلينا أن نبكي دماً من أن فيروس الجوع بات يقتل 11 شخصاً في كل دقيقة حول العالم. فالكورونا سيكون من الماضي الموجع، وذكرياته الأليمة، كالجدري والكوليرا والتيفوئيد، بعد سنتين على أبعد تقدير. ولكن الجوع سيبقى قضية مصّغرة، مسكوتاً عنها، لا تهز أرقامها وجدان وروح هذا العالم، ولا تقلق أثرياءه أو تشعرهم بالمسؤولية.
الكورونا عرّت الموقف الإنساني الأناني الاستحواذي المزري، وجعلتنا ندرك أن الهزات الاقتصادية بقدر ما تسحق من ملايين البشر وتجرفهم إلا أنها تهيّئ على أنقاضهم منصات لإطلاق مليارديرية جدد. فهذه الجائحة قد أضافت إلى قائمة أثرياء العالم نحو 500 مليارديرا وبمعدل ملياردير كل 17 ساعة، وفق قائمة فوربس لعام 2021، ليرتفع إجمالي عدد أصحاب المليارات إلى 2755 ملياردير، وبثروة تقدّر 13 تريليون دولار، ولتكون هذه الزيادة هي الأكبر في تاريخ مؤشر «بلومبيرغ» الشهير لقياس الثروات وأصحابها: هذا مضحك مبك.
الخبز/ الجوع سيبقى مشتتاً في عدسات العالم المقعرة لنتعامى عنه، وعن ضحاياه اليوميين. كما وستبقى فكرة أن المال ما زال خاضعاً لقانون حفظ الكتلة، أي أنه لا يفنى، ولكنه ينتقل من يد إلى يد أو من رصيد إلى رصيد؟. وإلا كيف أثرى هؤلاء في وقت انسحاق الآخرين، وفي عز معاناتهم من آثار الجائحة وأصدائها؟.
لو أن بعضا من هؤلاء الأثرياء الجدد، أو القدماء، حمل عدسة محدبة، وحدب بها بعين من الرأفة والشفقة على جوعى يتضورون على قارعة الأرقام والاسقام؛ ربما لشفيت الإنسانية من مرض قديم يتجدد يجعل من يصيبه يرى الخبز إلها يُعبد.