كان واضحاً منذ البداية أن حكومة بينيت - لابيد ستكون ضعيفة وهشة ومليئة بالتناقضات، حيث إن ما يجمع مكوناتها هو إسقاط بنيامين نتنياهو والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة. ولهذا تقدم كل القوائم المشكلة لها تنازلات كبيرة في مجالات متعددة، ولكن التنازل الأكبر تقدمه قوى اليسار الصهيوني و»القائمة العربية الموحدة»، حيث إن هذه التنازلات تتعلق بقضايا أخلاقية وسياسية يتم تقديمها على مذبح الائتلاف المعقد.
وقد بدأت الحكومة الجديدة أولى خطواتها بالسماح بمسيرة الأعلام التي كانت أجلتها حكومة «الليكود» برئاسة نتنياهو حتى تحرج حكومة بينيت. تلتها سلسلة خطوات منها التزام الحكومة بالبناء الاستيطاني وإقرار مشاريع استيطانية في الضفة الغربية، بما فيها التوصل إلى اتفاق مع المستوطنين في جبل أبو صبيح في قرية بيتا قضاء نابلس «مستوطنة افيتار»، يقضي بفحص ملكية الأرض تمهيداً لشرعنة المستوطنة، بعد أن تم إخلاؤها طوعاً مع بقاء جيش الاحتلال فيها والحفاظ على بيوت أو كرفانات المستوطنين. كما استمر هدم البيوت في القدس الشرقية ورفعت الحكومة يدها عن التدخل في قرارات المحكمة بخصوص إخلاء بيوت المواطنين الفلسطينيين في الشيخ جراح وهذا ينطبق على حي «بطن الهوا».
وكان التصويت على تمديد العمل بالقانون المؤقت، الذي يمنع منح الفلسطينيين جمع الشمل في إسرائيل للأزواج المختلطة من الأراضي المحتلة وإسرائيل، هو ذروة الإمعان في تطبيق سياسة يمينية لا تختلف عن حكومة نتنياهو. ومع أن القانون لم يمر في البرلمان «الكنيست» بسبب عدم حصوله على الأغلبية التي منعها امتناع عضوين من «القائمة الموحدة» عن التصويت، إلا أن مجرد تصويت أحزاب «العمل» و»ميرتس» و»القائمة الموحدة» يعتبر تنازلاً سياسياً لليمين. وغني عن القول، إن هذا القانون الذي سن فقط لمنع لم شمل العائلات الفلسطينية هو قانون عنصري بامتياز وأكثر من ذلك يتناقض مع القانون الأساس (الدستوري) لدولة إسرائيل بسبب التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين ولهذا السبب هو قانون مؤقت يجري تمديده كل سنة. وهناك محاولات من اليمين لجعله قانونا أساسا أي إضافة قانون عنصري جديد يسم إسرائيل على غرار قانون «القومية» الذي يشطب حقوق غير اليهود في البلاد.
وزاد الطين بلة في الإجراءات الاستفزازية التي تذهب بعيداً نحو تطبيق سياسة يمينية عنصرية ما أقدمت عليه الحكومة ممثلة بوزير الأمن «الدفاع» بيني غانتس باقتطاع وتجميد 182 مليون دولار من أموال الضريبة التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية حسب اتفاق باريس الاقتصادي. وهذا يعني إجمالاً أنه لا يوجد فرق بين حكومة نتنياهو وحكومة بينيت في الممارسات العملية، بعيداً عن كل محاولات التجميل الفاشلة لسياسة الحكومة الجديدة. وهو ما ينطبق كذلك على سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة التي ساءت حتى عن موقف حكومة نتنياهو. فحكومة بينيت تصر ليس فقط على عدم تحسين شروط الأوضاع المعيشية للمواطنين في القطاع، بل وحتى على عدم إعادتها إلى ما كنت عليه قبل الجولة الأخيرة من الحرب على غزة. وتربط الحقوق الإنسانية للمواطنين بالهدوء الكامل وبحل مسألة الأسرى والجثث من الإسرائيليين الموجودين لدى الفصائل في غزة.
صحيح أن سقوط نتنياهو من سدة الحكم مهم لإحداث أي تغيير في الخارطة السياسية والحزبية في إسرائيل. ولكن أي توقع بحدوث مثل هذا التغيير تحت رئاسة بينيت هو ضرب من الخيال. وهذا ربما ما دفع الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن إلى خفض سقف التوقعات من الحكومة الإسرائيلية والتركيز أكثر على تحسينات في بعض القضايا المرتبطة بأمور اقتصادية - اجتماعية. ولكن حتى في هذه الأمور هناك شكوك حقيقية في حصول أي تقدم جدي مع هذه الحكومة التي تصر على إبقاء الوضع على ما هو عليه. وعلى سبيل المثال ترفض وزيرة الداخلية أييلت شاكيد من حزب «يمينا» أي تغيير على وضع وتصنيف الأراضي (ب) و(ج)، كما ترفض الأحزاب اليمينية أي وقف أو تجميد للاستيطان. وقد رأينا النموذج في إقرار الخطط الاستيطانية، والتي تبعها اقتطاع قسم من أموال الضرائب بحجة دفع رواتب عائلات الأسرى والشهداء.
السلطة الفلسطينية مطالبة، الآن، بالتركيز على القضايا الجوهرية وعدم القبول بأمور هامشية في علاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. وربما تكون زيارة مبعوث الإدارة الأميركية هادي عمرو للأراضي الفلسطينية وإسرائيل مناسبة لإعادة التأكيد على مواقف فلسطينية عملية وبناءة يمكنها أن تحدث تغييراً حقيقياً على الأرض. وهي مناسبة كذلك للبدء بخطوات استعادة ثقة الجماهير الفلسطينية بالقيادة. وهذا بطبيعة الحال لا يكفي حيث المطلوب هو القيام بسلسلة خطوات جدية في مجال معالجة أخطاء السلطة الكارثية التي حصلت في الفترة الأخيرة، بما يسمح بتطبيق سيادة القانون والفصل بين السلطات وحماية حقوق المواطنين ومعالجة قضايا تغول السلطة التنفيذية والفساد وسوء الإدارة والتي من المفروض أن تبدأ بقضية مقتل نزار بنات وصفقة اللقاح الفاسدة. فلا معنى لأي سياسة فلسطينية إن لم تكن مدعومة من الشعب.