رئيس الوزراء الإسرائيلي بنفسه يدير معركة اقتحام مئات المستوطنين للمسجد الأقصى واستباحة كل بوابات المدينة المقدسة: المستوطن المتطرف نفتالي بينيت يصدر تعليماته بمواصلة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ولكن بشكل منظّم وآمن.
منذ فجر يوم الأحد (أمس)، والقدس تشهد معركة كبيرة وواسعة، بين أعداد كبيرة من المستوطنين تتعدّى الألف، ومثلهم وربما أكثر من الجيش، ورجال الشرطة، يواصلون على موجات اقتحام المسجد الأقصى وباحاته وما حوله.
أجهزة الأمن الإسرائيلية بمختلف مسمّياتها، مكلفة حماية قطعان المستوطنين وتفريق التجمعات الفلسطينية التي تحاول التصدي لهؤلاء وأولئك.
من الصعب جداً حصر أعداد المسؤولين المتطرفين في دولة الكيان فالدولة تتماثل مع المجتمع، ولكن ثمة متخصصين على رأسهم يهودا غليك المتفرغ تماماً لقيادة العمليات اليومية التي تستهدف المسجد الأقصى.
وإذ يجد المستوطنون الذرائع لمواصلة هذا الفعل الإجرامي، والذريعة اليوم مناسبة خراب ما يسمى الهيكل، فإن الأمر من أساسه لا يتصل بمناسبات بعينها، بقدر ما أن هذه تشكل فقط ذرائع لإدارة سياسة تستهدف فرض أمر واقع على المسجد الأقصى.
الكل في إسرائيل، يتبنى هذه السياسة الخاصة بالقدس، بما ينطوي عليه ذلك، من هدم لمنازل الفلسطينيين، ومصادرة ممتلكاتهم، وتنغيص حيواتهم لإجبارهم على إخلاء المدينة.
طال الأمر دون أن تنجح إسرائيل بكل إمكانياتها وإجراءاتها الإجرامية في فرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى كما فعلت بالحرم الإبراهيمي في الخليل، فلقد تصدى الفلسطينيون في كل مرة لإفشال هذه الأهداف.
بعد معركة باب العامود، والشيخ جرّاح، التي تسببت باندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، بادرت إسرائيل لتجميد قرار إخلاء المنازل في الشيخ جرّاح، ولكنها بالمقابل وسّعت دائرة استهداف المزيد من أحياء مدينة القدس.
لا يتوقف دور الجيش، والشرطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية على ما تقوم به من اعتداءات على المقدسيين، والمصلين والمرابطين، ولكنها عبر الحواجز تمنع وصول الفلسطينيين القادمين من الضفة وأراضي 1948، من الوصول إلى المسجد الأقصى، للمشاركة في التصدي لقطعان المستوطنين.
الفصائل الفلسطينية حتى الآن، وكذا المستويات السياسية، تواصل إصدار البيانات، والتصريحات المنددة والمحذّرة، ولكن بالرغم من أن الجاري في القدس اليوم، أكثر صعوبة وإجرامية مما كان قبل اندفاع العدوان الأخير على غزة، فإن الظروف المحيطة لا تسمح لفصائل المقاومة في غزة، بأن تتدخل بالطريقة التي اعتمدتها وبادرت إليها خلال معركة الشيخ جرّاح.
خلال المعركة الجارية، لم يظهر النظام العربي الرسمي، ولا حتى الشعبي الاهتمام الذي تستدعيه المعركة، أما المجتمع الدولي فإنه لا يزال يقف عند حدود التعبير عن القلق، ومطالبة إسرائيل بوقف العنف.
إسرائيل لن توقف العنف، ولن تستمع للانتقادات حتى لو جاءت من أقرب حلفائها. حين انتقدت الولايات المتحدة قيام إسرائيل بنسف منزل منتصر شلبي، الفلسطيني الذي يحمل الجواز الأميركي، كان رد بينيت، أن إسرائيل لن تسمح حتى للولايات المتحدة بالتدخل في أمنها الداخلي، باعتبار ذلك له علاقة بالسيادة.
أكثر من ذلك يتبجح بينيت بأن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها، وكأنها لا تعتمد على الحماية الأميركية، وأن الدعم الأميركي لإسرائيل يبدو وكأنه خاوة، ويساعد إسرائيل في الدفاع عن المصالح الأميركية، وليس العكس.
المشكلة المزمنة هي أن لا الأمم المتحدة التي يكثر الناطقون باسمها الكلام عن السلام والشرعية الدولية، ولا المجتمع الدولي بكل مكوناته بمن في ذلك من تحتسب دولهم صديقة للشعب الفلسطيني مثل روسيا والصين ولا منظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، لديهم الإرادة لأن يتركوا بصمة عملية لوقف الإجرام والجرائم الإسرائيلية.
تصبح تصريحات المسؤولين الفلسطينيين، المنددة والمحذّرة، والتي لا تزال تدرس التطورات مجرد بكاء، وعويل ومناشدات لا تنفع شيئاً، بينما على المقدسيين، والقادرين على الوصول من الفلسطينيين في الضفة وأراضي 1948، أن يتحملوا المسؤولية وأن يدفعوا الثمن.
الكل مأزوم، فلا المفاوض، يملك من الوسائل، وأشكال التحرك والضغط لإرغام إسرائيل على وقف مخططاتها في القدس، ولا فصائل المقاومة في غزة قادرة على أن تعاود ما فعلته إبّان معركة الشيخ جرّاح.
بالنسبة لفصائل المقاومة في غزة، لا يتصل الأمر بتوفر وسائل الرد والمواجهة، أو حتى بحجم ونوع التكلفة، وإنما بالظروف والتدخلات والشروط التي ينبغي أن تحسب جيداً، عند اتخاذ قرار بالتصعيد.
الدماء في غزة لم تجفّ بعد، ولم تتم إزالة ركام الدمار الذي خلفه العدوان الأخير، وعملية إعادة الإعمار لا تزال عالقة في ماراثون التناقضات وتصادم المصالح والرؤى، والأموال القطرية ما زالت لا تجد طريقها إلى مستحقيها، والحصار لا يزال قائماً، لا يغير من واقع المعاناة بعض التسهيلات التي أقدمت عليها إسرائيل خلال أيام عيد الأضحى، وكل شيء مرتبط بصفقة أسرى لا تزال عالقة. هكذا سنقول كان الله في عون المقدسيين، الذين أثبتوا غير مرّة أنهم أهل للمواجهة ولدفع الثمن، وإلحاق الهزيمة بالمخططات الاحتلالية التي تستهدفهم ومدينتهم ومقدساتنا.