نتلمس بكثير من الحكمة ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بعد انفراط العقد الترامبي، وكيف تكسب الولايات المتحدة نتيجة الدفع للأمام للعودة لمركزها القيادي، بعد أن أفقدها ترامب بريق التفوق والقيادة، وهم الديموقراطيون من ينحاز أكثر إلى موقع الولايات المتحدة في العالم، ويتحول هذا الموقع إلى مصالح وانتعاش في الاقتصاد، وربما أنتهى عصر اصطياد الأصدقاء، وسرقة مال الحلفاء، والضحك على الذقون الذي كان ينتهجه ترامب، عاد وهج أمريكا بين أصدقائها التقليديين في الشرق الأوسط وأوروبا وأسيا وحتى أفريقيا، وهذا الذي كان يستهزئ به ترامب لكسب أصوات الطبقة غير المثقفة في الولايات المتحدة يجلس هادئا في البيت الأبيض يستقبل القادة الفاعلين في القضايا الإقليمية التي تعبر عن النفوذ الخاص بواشنطن، ويمارس دورًا فاعلًا ومفيدًا للولايات المتحدة.
أدرك بايدن منذ البداية أهمية الأردن في حل القضية الفلسطينية بعد أن وقف جلالة الملك عبدالله الثاني مدافعَا عن قناعات الأردنيين والعرب دون سماع لنصائح ثنائي المحافظين في الولايات المتحدة وإسرائيل «ترامب ونتنياهو»، وكان انعكاسا لنبض الشارع العربي والإسلامي، ولم يكن ابهًا للتهديدات هنا أو هناك، ورفض صفقة القرن وحل الدولة التي أنهال عليها الاخرون ممن لم يخبروا قضية فلسطين كما خبرها وكما تعلم عنها، كما والده الحسين رحمه الله، وما أن جاء الديموقراطيون بكل قياداتهم حتى رأوا أن لقاء الملك عبدالله الثاني في مقدمة قيادات المنطقة سيكون مفيدًا لتأكيد حل الدولتين الذي يتبناه الملك مع المخلصين من قيادات العالم العربي وباقي العالم، وبهذا وضع بايدن المدماك الأول فيما يحقق احترام أكثر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم العربي رغم انحياز تاريخي للكيان الصهيوني تعايشنا معه ونحاول أن نحد من تبعاته واثاره، وفي هذا السياق رأينا كيف أدركت قيادات الحزب الديموقراطي ومجلسي الشيوخ والنواب من الحزبين أهمية الملك وضرورة الاستماع اليه والتعلم منه.
عملت الولايات المتحدة على العودة للحضن الأوروبي الدافئ والحد من النفوذ الاقتصادي الصيني والسياسي الروسي ما يفتح افاقا جديدة في حل الكثير من المشاكل في ليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان، والسر وراء حل هذه العُقد إبان عهد ترامب أنه كان يرى دماء تسيل في هذه البلدان من عيون براغماتيته ومصالح الولايات المتحدة الداخلية فكان يرى في هذه البلدان وإطار تحالفاتها سوقًا للأسلحة والبضاعة الأمريكية أو تهديدًا لإعداء الولايات المتحدة، وقد نتفق مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والعراق أو نختلف ولكنه الحل الوحيد لإنهاء المسرحيات الخاصة بهذه الدول واعتماد هذه الدول على أنفسها في العودة لحياتها الطبيعية وقد حمل الملك عبدالله الثاني وعودًا تتعلق بالعراق وسوريا، ما يعني أن الملك عبدالله الثاني صار لاعبًا رئيسيًا في المنطقة بعد انتهاء الترامبية واستحقاقاتها المدمرة، وصرنا نرى كيف أن الوضع في ليبيا وسوريا وحتى العراق وأفغانستان بدأ يعود إلى وضعه الطبيعي مع عودة الديموقراطيين.