هل حقاً سيأتي حين من الدهر ينغي فيه على زائر جرش وعجلون، أن يحمل مظلة تظلّه من الشمس بعد أن تغيب أشجارنا. قبل سنوات، كنتُ أقول إن ذلك الحين لربما سيتأخر، ولكن المشاهد تؤكّد أنه أقرب مما نتصور، وأنه لن يبقى من غاباتنا سوى بقايا جذوع ترتفع بقدر شبر فوق يابس الأرض تقول: هنا كان شجر وارف الظلال أخضر.
فاليوم سيكون عليك أن تحمل قلباً من حجر؛ لتتمكن من عبور غاباتنا دون أن تتفجّر حزنا وقهرا، على ما ستراه من جرائم «تطهير عرقي» منظمة ضد أشجار السنديان والملول والبطم والقيقب. وسيكون عليك أن تتساءل بحرقة: كيف ولماذا وصلنا إلى هذا الحد؟ لماذا لم نوقف هذه المجازر؟ ولماذا تركنا المجرمين يسيدون ويميدون؟.
هذه جرائم مستمرة، بل وتزداد شراسة وتوسعاً يوماً إثر يوم، وقد بدأت تأخذ طابع العمل التنظيمي العصاباتي، الذي وجد سبيلا للربح السهل الفاحش بالإعتداء على الغابات في ظل رخاوة القوانين، وغياب الإرادة الحقيقية لوقفهم والضرب على أياديهم.
مع بالغ الأسف، فالبعض منا يقعُ في مغالطة كبيرة حين يعتقد أن من يجزّون الأشجار فقراء معوزون من أجل التدفئة، ولكنك حين تتحرّى في الأمر؛ ستعرف أن من يرتكب هذه الأفعال هم عصابات لديهم من يساندهم.
ففي الأسبوع الماضي تعرض رجل حراج لعملية دهس في عجلون، وهذا لأنه لا يوجد رادع حقيقي يردع هؤلاء ويكسر شوكتهم. ولا قوانين قادرة على إيقافهم.
نحن بلد أقل من الواحد بالمائة من مساحته غابات. ولا نزرع بالشكل المطلوب مع الأسف. فالشجرة التي عمرها ألف سنة تُقطع بدقائق بمناشيرهم المجنزرة، لتستقر بسعر غال كحطب مواقد. وهنا أيضاً يجب أن نقف ونتأمل، أن في الطلب على أحطاب السنديان والملول وفرنا بيئة خصبة ومناسبة لتجارة أولئك المجرمين.
مع تقديري لجهود وزارة الزراعة ونواياها الطيبة، إلا أنني أجدّد اليوم إطلاق صرختي بوجوب تشديد اجراءات الحراسة لإيقاف هذه الجرائم. وأطالب بوقفة وطنية شعبية حقيقية وصارمة، مع ضرورة مراجعة القوانين الناظمة لهذا المجال. دعونا نوقفهم قبل أن يفوت الفوت، ويغيب الصوت.