في بداية العام الحالي بدأ المواطنون في الأردن تنفس الصعداء مع انخفاض عدد الحالات وانحسار الموجة الأولى التي بدأت منذ شتاء 2020 الماضي. ثم بدأنا نسمع عن متحور جديد في بريطانيا (B.1.1.7 وسمي لاحقاً Alpha) والذي ينتشر بشكل أسرع. وفي غضون عدة أسابيع ظهرت وإزدادت الحالات بشكل مطرد وأُسِّي Exponential لنشهد أسوأ موجة في الأردن حتى الآن والتي بدأنا أخيرا التعافي منها قبل أسابيع.
والآن ظهر متحور جديد يسمى دلتا (Delta variant) غَيَّر قواعد اللعبة كلياً؛ فهو أول متحور يطغى وينتشر في جميع أنحاء العالم، كما أنه أشد انتشاراً بضعفين على الأقل من الفيروس الأصلي المكتشف في الصين. كما أظهرت دراسة حديثة أن عدد الفايروسات (Viral load) في جسم المريض اكثر من 1000 ضعف مقارنة بالفيروس الأصلي وهذا يفسر الانتشار غير المسبوق وقد ينذر بشدة أكبر للمرض. والآن يتم الحديث أن نسبة المناعة المجتمعية (Herd Immunity) الضرورية لوقف المنحنى الوبائي أصبحت حوالي 90 % من السكان وليس 60 - 70 % كما كان متوقع مع الفيروس الأصلي. أي أن الفيروس سيصيب بالنهاية معظم الناس إن لم يكن الجميع.
الآن ينتشر متحور الدلتا في جميع دول العالم بنمط متشابه من ناحية الانتشار مع اختلاف في توقيت الموجة. كما ان شدة انتشار المرض وحالات الوفاة في بعض الدول وصل مستوى قياسي. واللافت بشدة الآن أن حوالي 99 % من الوفيات هي ممن لم يأخذوا المطعوم. وكان بإمكان العديد من هؤلاء أخذ المطعوم، إذ عبر بعضهم عن ندمه ولكن بعد فوات الآوان.
أي أن الوباء تحول إلى نوعين: نوع خفيف بشكل عام يصيب آخذي المطعوم ونوع آخر شديد يصيب من لم يتلقى المطعوم. مع أهمية أكبر الآن لإرتداء الكمامة والتباعد الجسدي والابتعاد عن الاماكن المغلقة والمكتظة سواء لمن تلقى المطعوم أم لا.
وتعتمد شدة الموجة في كل دولة على عدد القابلين للإصابة (Vulnerable people)، أي الذين لم يصابوا من قبل أو لم يأخذوا المطعوم. في الاردن هذا يعني حوالي نصف السكان. أي أننا قد نشهد ذروة أخرى ووفيات كثيرة ولكن هذه المرة من الممكن تفاديها وتقليل عدد الوفيات بشكل كبير.
لذلك الملاذ الوحيد للخروج بأقل الأضرار والحفاظ على انفتاح مجتمعي يحفظ دورة التعليم والاقتصاد هو القيام بحملة شاملة لتطعيم جميع المواطنين والمقيمين في الأردن.
لقد كانت هناك صعوبة قبل عدة أشهر في الحصول على المطاعيم مثل الكثير من دول العالم، ولكن الآن أصبحت لدينا كميات جيدة جيداً من أفضل اللقاحات في العالم والتي يتمنى أخذها البلايين من البشر. ومع ذلك لا يزال هناك عزوف غير مفهوم عن أخذ المطعوم من شريحة واسعة من الناس.
ولنأخذ كمثال تطعيم الأطفال من عمر الثانية عشر إلى الثامنة عشر والذي تم السماح به مؤخرا في العديد من الدول ومنها الأردن. هناك العديد من الدول المتقدمة مثل بريطانيا والدول اوروبية والتي تحاول جاهدة توفير مطاعيم للأطفال في هذا السن ولكن المشكلة الكبيرة أن المطعوم الوحيد المرخص للأطفال هو مطعوم فايزر Pfizer BioNTech والذي يتوفر حالياً بشكل ممتاز في الأردن ويستطيع أي شخص وأي طفل من هذه الفئة العمرية الذهاب للتطعيم من غير موعد مسبق. كما ان هناك تسهيلات لإعطائه لمن أخذ جرعة أو جرعتين من أي مطعوم آخر Mix and match وهو أمر مقبول علمياً 100 % لا بل قد يكون أفضل من أخذ جرعتين من نفس المطعوم.
ولكن يبدو أن الصورة غير واضحة عند الجميع عن توفر وحاجة وفاعلية وأمان المطاعيم والذي تم تطعيم أكثر من بليون ونصف شخص بها بلا أعراض جانبية تذكر وبفعالية عالية ضد كل المتحورات. كما أظهرت الدراسات العلمية وبلا أدنى شك أهمية أخذ المطعوم حتى لمن أصيب في السابق، وأهمية أخذ الجرعة الثانية للجميع والتي ترفع مناعة الجسم لمستويات آمنة تبقى لعدة شهور على الأقل.
وباختصار لتخفيف آثار الموجة القادمة بلا محالة، علينا القيام بحملة شاملة على جميع الأصعدة وفي جميع القطاعات لتطعيم أكبر عدد من المواطنين وفي اسرع وقت ممكن.
ولمن لديه شك عن أمان هذه المطاعيم سواء عند البالغين أو الأطفال فلكم عبرة في أطباء الأردن والذين في غالبيتهم العظمى اخذوا المطعوم ويقومون حالياً بتطعيم أطفالهم وأهلهم ومرضاهم؛ لأنهم يعلمون مدى أهمية ذلك لهم ولأطفالهم.
كما أن المطعوم يحمي ليس فقط من المرض الحاد والذي قد يؤدي إلى الوفاة، ولكن أيضاً لتخفيف آثار كوفيد المزمن (Long COVID طويل الأمد) الشائع والذي قد يؤدي إلى تدهور شديد في حياة المريض.
لذلك سارع أخي المواطن في تطعيم نفسك وأطفالك واهلك وكل من تعرف وقم بالتشجيع على ذلك حتى نستطيع الخروج بإذن الله من هذه الازمة في اسرع وقت ممكن عن طريق أخذنا بالأسباب وحفظ الله الأردن.