ظهر الأردن يوم السبت الماضي في أزهى صوره الحضارية والثقافية والدينية وهو يستقبل قداسة البابا فرنسيس الثاني في أول محطة له في رحلته إلى الأراضي المقدسة. التنظيم الممتاز للزيارة والأجواء الحماسية المليئة بالتقدير والمحبة التي عكسها الشعب الأردني بمسلميه ومسيحييه تمثل الصورة التي نعرفها تماما عن الأردن وحققت إنجازا كبيرا على عدة أصعدة قد تتحقق في المستقبل على المستويات السياسية والسياحية والثقافية وغيرها.
مع أن رحلة البابا في المنطقة هي دينية في المقام الأول ولكن في الشرق الأوسط لا يمكن فصل الدين عن السياسة سواء رغبنا بذلك أو لم نرغب. البابا يزور المنطقة في مرحلة حرجة تتمثل في الكثير من العنف في عدة دول ونسبة كبيرة منه الأخوة المسيحيين بدون ذنب ونتيجة لفهم خاطئ ومشوه يقدمه أتباع التنظيمات الأصولية وخاصة في سوريا والعراق ومصر. في فلسطين يعاني المسيحيون مثل المسلمين من سطوة الاحتلال الإسرائيلي ومحاولته المستمرة لتغيير التاريخ الديني للأراضي الفلسطينية ولهذا لا يمكن فصل زيارة البابا عن كل هذه الأحداث المهمة.
مسيحيو الشرق جزء رئيس وأساس من هذه المنطقة وأي سلوك عدائي تجاههم يجب أن يكون مرفوضا من قبل الأغلبية المسلمة وذلك احتراما لتعاليم الدين الإسلامي أولا وللتاريخ المشترك من التعايش والتعاون بين أتباع الديانتين في ظل دول احترمت الحريات الدينية للأخوة المسيحيين. الظهور المقلق للخطاب التكفيري الذي تقوم به بعض التنظيمات السلفية يطال المسلمين ايضا وليس المسيحيين فقط ويمثل تحديا مشتركا لكل من يؤمن بالقيم الحقيقية للمسيحية والإسلام للعمل المشترك على مواجهة هذا التحدي.
البابا فرنسيس الثاني هو من أهم الشخصيات المسيحية في العقود الماضية ومنذ اختياره لأقدس المناصب المسيحية قدم خطابا دينيا واجتماعيا مرنا يستحق كل التقدير وأثار إعجاب المسيحيين في كل مكان وتمكن من زيادة التأثير التقليدي لدور البابا ليضم ايضا العلمانيين من المؤمنين بالمسيحية الذين وجدوا فيه شخصية دينية متنورة تساهم في تقريب وجهات النظر وذلك على خلاف بعض الباباوات في السابق الذين سقطوا في فخ بعض التصريحات التي اعتبرت مسيئة لأتباع الديانات الأخرى أو لقيم الدول الحديثة في أوروبا والغرب بشكل عام.
زيارة البابا للأردن وهذه الصورة الرائعة التي شاهدها العالم تجعلنا لا نشعر فقط بالفخر من منجز التآخي الإسلامي-المسيحي في الأردن بل ايضا يجب أن نتذكر أهمية الحفاظ على هذا المنجز ربما لا نشعر أحيانا بحيوية وضرورة وحجم هذا الانجاز لأننا تعاملنا معه كأمر مُسلَّم به ولكن عندما نرى كل هذه التناقضات الطائفية والحرائق الدينية المشتعلة في مجتمعات أخرى بعضها قريب جدا منا نشعر بقيمة هذا الانجاز وضرورة حمايته والمحافظة عليه ومنع أي تطرف كان في الاضرار بنموذج المجتمع الأردني الموحد.