قد يكون السؤال ساذجاً، فالنتيجة معروفة, بعد أن حجز المشير عبدالفتاح السيسي المقعد مبكراً، على قاعدة أن الشعب «استدعاه» وأنه «لم» يرفض هذا الاستدعاء، بل هو الآن طوّع بنان هذا الشعب منذ أن انحاز إليه في 30 حزيران 2013 وترجم ذلك في 3 تموز من العام نفسه عندما اطاح حكم الاخوان وأرسل محمد مرسي إلى المحاكمة ومضى قدماً في تنفيذ خريطة الطريق لموجة 30 يونيو/حزيران، مُمّسِكاً بالخيوط كلها كرجل المرحلة القوي الذي يذهب في زيارات إلى الخارج نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للجيش، لكنه يُستقبل استقبال «الرؤساء» ولا تغادره الأضواء في الخارج، كما أنه محور الإعلام وأحاديث الساسة والمحلّلين داخل المحروسة، والكل في انتظار ما سيقول ومعرفة ما بين السطور، وما تُخفي الكلمات الغامضة التي لا يُفصح المشير عنها، وإنما يتولى ذلك وعّاظ السلاطين ورهط المعجبين وحارقي البخور لسيادته وهم كثر، حتى ان الجنرال استطاع أن «يَشقّ» صفوف أحزاب وأن يمزق غيرها، على قاعدة أن هناك من رأى في الرجل، قائداً للمرحلة فيما غيره (داخل الحزب نفسه) بقي على موقفه من رفض لعودة «العسكر» إلى الحكم، أو في إعادة انتاج نظام مبارك وإن بخطاب مختلف وشخصيات غير محروقة وشعارات جديدة، تنهض على رفض الإسلام السياسي وتُجرّم الإرهاب والتكفيريين، وتحاول استعادة تراث جمال عبدالناصر المنحاز اجتماعياً للفقراء والغلابى والمنتمي سياسياً لعروبة مصر ورفضاً لدعوات الانعزالية والفرعونية والانكفاء الداخلي..
يذهب المصريون اليوم (وغداً) لاختيار رئيس جديد لبلدهم، وعليهم ان «يفاضلوا» بين المشير السيسي الذي «استدعاه» الشعب وبين السياسي الشجاع والمحنك والشعبي حمدين صباحي، الذي يخوض معركة قد تبدو لكثيرين انها مغامرة وانتحارية ومحسومة النتائج لغير صالحه، لكن يُسجّل للرجل ويحسب له انه اختار الانسجام مع قناعاته ولم يحاول الاختباء او تفادي الخسارة التي لا تعني لديه انتهاء حياته او مستقبله السياسي، على نحو ما فعل كثيرون جنرالات سابقون رأوا في المشير «بلدوزراً» يمكن أن يسحقهم فتنحوا جانباً ودبّجوا خطاب نفاق يتملق المشير وربما لتذكيره بحملهم في عربات قطار الرئاسة، عندما يجلس في قصر الاتحادية، فيما سياسيون محترفون وقادة أحزاب جَبُنوا وتردّدوا أمام الجنرال الذي «سحق» نظام الاخوان وتولى اخراجهم من القصر الرئاسي واطلق يد القضاء لمحاسبتهم على ما اقترفوه وارتكبوه طوال عام رديء من حكمهم الإقصائي والالغائي.
حمدين صباحي يعرف حجم التحدي الذي عليه مواجهته، وهو كمن يحفر في الصخر في ظل عملية «المبايعة» التي كادت ان تحصل، لولا أن حال صباحي، بشجاعة وتقدير عميقين للشعب المصري ونضالات شبابه ووفاء لدماء الشهداء ومفجري ثورة 25 يناير وموجة 30 حزيران الثورية، وقال بإيمان حقيقي بقدرة المصريين على الاختيار انه سيخوض المنافسة وأن «معركة» الرئاسة هي «واحدة» من سلسلة معارك مكتوب عليه أن يخوضها.
لافت أيضاً أن المشير السيسي الذي يحظى بتغطية إعلامية مكثفة ومتتابعة على نحو تبدو وكأنها «مجانية»، رفض حتى اللحظة الأخيرة وقبل حلول يوم «الصمت الانتخابي» دعوة حمدين صباحي للمناظرة دون إبداء الأسباب، بل أن الذين تولوا عملية الدفاع عن رفض المشير للمناظرة، اعترفوا ولو بين السطور، بأن صباحي كان «سيبتلع» الجنرال ويحرجه ويخرجه خاسراً، نظراً لقدرته الخطابية وترابط أفكاره وتماسك موقفه ودقته في تحديد أهدافه وعدم تردده أو ارتباكه، على النحو الذي يظهره السيسي الذي يتحدث في العموميات، دون تحديد أو قدرة على الذهاب إلى الموضوع مباشرة.
ثم أليس مثيراً، وباعثاً على التساؤل، عدم صدور «برنامج انتخابي» عن المشير السيسي تحت ذرائع ومبررات غير مقنعة، من قبيل ان ظهور هذا البيان على الملأ سيعرض «الأمن القومي» المصري للخطر، وكأن هذا البرنامج سر من أسرار «الدولة» وعلى المصريين أن ينتخبوا المشير لشخصه والدور الذي قام به، وليس وفق أفكاره وبرامجه وانحيازاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، على ما يفعل باقي المرشحين للموقع الأول في دول العالم، وعلى ما تسير وفقه الشعوب التي تريد أن تعرف «كل شيء» عن المرشح الذي سيكون مصيرها بيده في حال وصوله إلى الرئاسة..
يومان فقط ونعرف أن السيسي قد غدا رئيساً لجمهورية مصر العربية، إلاّ أن حمدين صباحي لن يخرج خاسراً، فقد اكتسب احترام وثقة نسبة مهمة من الشعب المصري والشعوب العربية أيضاً.