غير مقنعة كل هذه الضجة التي تثيرها بعض الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة بالنسبة لما يعتبر ظاهرة توجه ما يسمى بـ»الجهاديين» والإسلاميين إلى سوريا والإنضمام إلى «داعش» والنصرة» فأعداد هؤلاء ليست بالأرقام المخيفة التي يجري الحديث عنها والمفترض أن هؤلاء كلهم معروفون للأجهزة الأمنية في هذه الدول فهم بصورة عامة إمَّا من «الأشبال» وصغار السن الذين تم تجنيدهم من قبل الأوروبيين (الغربيين) ومن قبل الأميركيين وإرسالهم إلى أفغاستان للقتال تحت راية «الجهاد في سبيل الله» ضد القوات السوفياتية الغازية وإما من أبناء هؤلاء الذين إقتربوا من سن الكهولة.
هناك مثل عربي لا يعرفه الغربيون يقول :»يداك أوكتا وفوك نفخ» فظاهرة تجنيد الشبان المسلمين من أوروبا والولايات المتحدة ومن الدول العربية والإسلامية وإرسالهم إلى أفغانستان بحجة :»الجهاد في سبيل الله» ضد الشيوعية العالمية هي ظاهرة أوروبية وأميركية بإمتياز ولعل ما تجب الإشارة إليه أن الأجهزة الأمنية إنْ في أوروبا الغربية وإنْ في الولايات المتحدة كانت حتى قبل الغزو السوفياتي في عام 1979 قد رعت إنشاء أكثر من خمسين ألفاً من مدارس «الكتاتيب» في أفغانستان وباكستان لتعليم أطفال هاتين الدولتين الدوافع والأساليب الجهادية والهدف بالطبع هو الوصول إلى الدول والكيانات التابعة للإمبراطورية السوفياتية ذات الأغلبية المُسْلمة.
حتى عمر عبد الرحمن الضرير المصري المعتقل الآن في الولايات المتحدة بتهمة إرهابية وحتى أبو حمزة المصري ،(أبو الشناكل) ما غيره، الذي سلمه البريطانيون للأميركيين ليحاكموه بتهم الإرهاب.. وحتى باقي ما تبقى من وُعاض «الجهاد» الأميركي والأوروبي فإن من جنَّدهم وأرسلهم إلى أفغانستان لمحاربة القوات السوفياتية الغازية هو هذه الدول التي «تدُبّ الصوت» الآن وتبالغ جداً في التخوف والتحذير من ظاهرة ذهاب متطوعين ،من أبناء المهاجرين إليها من دول عربية وإسلامية، إلى سوريا للقتال في صفوف «داعش» و»النصرة» وباقي التنظيمات الإرهابية.
ولعل ما لا يعرفه المسؤولون في هذه الدول بعد كل هذه السنوات الطويلة من رحيل القوات السوفياتية عن أفغانستان وإنهيار الإتحاد السوفياتي ،الذي أدى إنهياره إلى كل هذه الإختلالات في معادلة القوى الكونية، أن دولهم إنْ ليس كلها فبعضها قد «فتحت» معسكرات لتدريب متطوعي الجهاد الأفغاني وانها فرضت فرضاً على بعض الدول العربية تمويل هذا الجهاد ،الذي نبتت «القاعدة» في حاضنته، والحجة بالطبع هي ضرورة إعتراض مدِّ الشيوعية العالمية قبل أن يصل إلى هذه الدول وإلى المنطقة كلها.
إنَّ هذا هو أساس البلاء.. وأمَّا في ما يتعلق بذهاب بعض الشبان والشابات من صغار الأعمار من ذوي البشرة «الشقراء» من الأوروبيين والأميركيين إلى سوريا فإن الدافع بالتأكيد هو الفضول وهو حبُّ الإطلاع وهو أيضاً الهروب من الملل ورتابة الحياة في بلدانهم وليس لا الجهاد في سبيل الله ولا نصرة المظلوم ضد الظالم.. وحقيقة أن هذه ظاهرة قديمة عرفتها المقاومة الفلسطينية في نهايات ستينات وبدايات سبعينات القرن الماضي وحيث كانت هناك مجموعة من المراهقين من الجنسين قد إنضمت إلى الجبهة الديموقراطية بقيادة «الرفيق» نايف حواتمة «أبو خالد» أُطلق عليها تماشياً مع أدبيات تلك المرحلة إسم :»الكتيبة الأممية».
وبالطبع ومقابل ظاهرة الشبان والشابات الذين يفرون من الدول الغربية هروباً من السأم والملل ورتابة الحياة والبرد القارص والبحث عن الدِّفئ وعن المغامرات إنْ في هذا الشرق المعذب وإن في إفريقيا وأميركا اللاتينية فإنَّ هناك من تركوا بلدانهم والتحقوا بثورة من الثورات القديمة والجديدة إنسجاماً مع قناعاتهم السياسية وإلتزاماتهم الأممية ومن بين هؤلاء الثائر الأممي تشي غيفارا الذي غادر بلده الأرجنيتن للقتال إلى جانب فيدل كاسترو بعد إنتصار الثورة الكوبية ثم إنتقل إلى بوليفيا حيث قتل هناك بمساندة المخابرات الأميركية.. ثم ومن بين هؤلاء كذلك راميريز سانشيز (كارلوس) الذي يقضي الآن حكماً طويلاً بالسجن في فرنسا والذي ترك بلده فنزويلا والتحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قبل أن يُستدرج إلى الخرطوم في السودان في بدايات تسعينات القرن الماضي ويجري تسليمه في مؤامرة دنيئة شارك فيها أحد الذين يَحسبون أنفسهم على الثورة الفلسطينية ونفذها كما يُقال ،والعلم عند الله، بعض رموز هذا النظام الذي إعتقل قبل أيام الصادق المهدي الرجل الذي يحظى بإحترامٍ وتقديرٍ من غالبية أبناء شعبه ويحظى بإحترامٍ مثله وربما أكثر في الوطن العربي بأسره.