من الحقائق التي فرضتها جائحة كورونا، أن لا عودة الى الوراء أبدا، وفي كل شيء، هذه حقيقية.. من يتعامل معها سيتجاوز تحديات الحاضر ويكون جاهزا للمستقبل، أما من لا زال عنده أمل بالعودة الكاملة لمرحلة ما قبل جائحة كورونا، فسيكون كمن خسر الحاضر والمستقبل.
ما أعنيه بشكل أكثر وضوحا هو أن جائحة كورونا فرضت «التعليم عن بعد»، وهذا صار نهجا لكثير من دول العالم المتقدم الذي كان فيه التعليم عن بعد - حتى قبل جائحة كورونا - جزءا من أسلوبها التعليمي، أما معظم دول العالم النامي تحديدا فقد أطاحت الجائحة بمنظومتها التعليمية، وخسر طلابها عاما دراسيا من أعمارهم، وباتت كل دولة تحاول استرجاع «الفاقد التعليمي» والدراسي وحتى الجامعي، لمن اعتمادهم الكلي على التعليم «الوجاهي» فقط.
يوم أمس تبنى وزراء مجموعة دول العشرين إعلاناً حول تطوير «التعليم الرقمي» والاستفادة من البحث والتعليم العالي للنهوض بالتحديات الحالية وخاصة المساعدة على محاربة فيروس كورونا.
ويأمل وزراء تلك الدول تعبئة إمكانيات البحث والتعليم والرقمنة لتحقيق تقدم مستدام وانتعاش شامل على مستوى دولهم والعالم، (وفق ما أوردت وكالة آكي الإيطالية للأنباء أمس الجمعة ونقلته وكالة بترا).
العالم يتجه وقبل الجائحة نحو الرقمنة في كل شيء: في التعليم والتجارة والصناعة والعمل وحتى الرياضة، وسيكون التحدي الكبير والتمايز بين دولة وأخرى في مرحلة ما بعد كورونا بمقياس الاقدر على التعامل مع متغيرات العصر ومتغيرات كورونا.
نحن في الاردن واكبنا المتغيرات تشريعيا فبات التعليم عن بعد جزءا - معترف به قانونا - من قبل الجهات المعنية، ولكن لا زال أمامنا الكثير مما يستوجب فعله تشريعيا ولوجستيا وبيئيا داخل كل أسرة وكل مدرسة وكل وزارة وجهة رسمية كانت أم أهلية، فالعالم يتوجه نحو الرقمنة شئنا أم أبينا.
لكن وبما أن السرعة والأولوية الآن تركز على رقمنة التعليم أو «التعليم عن بعد»، فيجب الاستفادة سريعا مما فرضته جائحة كورونا علينا - كما غيرنا من دول العالم - وأن نستثمر في البنى التحتية، وأن نسارع في الرقمنة وفق منهجية تنموية مستدامة، وبتعاون القطاعين العام والخاص.
دراسات العالم لمرحلة ما بعد كورونا باتت تتحدث بالتفصيل عمّا هو قادم وفي كل قطاع، فقطاع التعليم سيكون «عن بعد» وفي مختلف جامعات العالم، في قطاع الطاقة.. أوقفت مصانع شركات سيارات عالمية انتاج سيارات البنزين وأعلنت انه لن تكون هناك سوى سيارات الكهرباء اعتبارا من العام 2030، وأعلنت مراكز دراسات عالمية قوائم بالوظائف التي باتت في حكم الملغاة او التي أوشكت على الالغاء نهائيا خصوصا بعد كورونا، وأن هناك وظائف جديدة تستوجب خلق جيل مستعد وجاهز لها، وجلّها وظائف رقمية الكترونية تكنولوجية تتواكب والثورة الصناعية الرابعة والتكنولوجيا الذكية والجيل الخامس وما بعده في ثورة تكنولوجيا الاتصالات.
على المستوى الفردي لدينا طاقات شبابية ابداعية حققت ولا زالت نتائج مهمة على مستوى الوطن والاقليم، لكن على مستوى الوطن لا زالت الحاجة ماسة لان يتبنى القطاع العام والحكومة تحديدا ابداعات وطاقات الشباب التي يتبنى كثير منها القطاع الخاص ممثلا بشركات الاتصالات الكبرى في الاردن للاستفادة من تلك الابداعات بالنهوض في قطاعات باتت تستوجب حلولا ابداعية غير تقليدية وفي قطاعات التعليم والزراعة والتجارة وحتى الاعلام من أجل خلق وظائف جديدة يحتاجها السوق في مرحلة ما بعد جائحة كورونا.