يوم الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001 وقف العالم مع الولايات المتحدة متضامناً بعد هجمات شنها تنظيم القاعدة واسفرت عن مقتل الاف من الابرياء وتدمير برج مركز التجارة العالمي وضرب مقر وزارة الدفاع الامريكية في واشنطن.
عشرون عاما بعد حرب شنتها واشنطن ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة شارك فيها الكثير من دول العالم بالجهد العسكري المباشر او بالتعاون الامني والاستخباري لمحاربة خطر الارهاب القادم من جبال تورا بورا.
لم يتوقع أحد أن تفشل واشنطن مرة اخرى في حروبها والتي كانت في افغانستان حرباً عادلة لبلد اعتدي عليه بجريمة ارهابية هي الاكبر والاخطر في ما قامت به جماعات الارهاب في العالم، وهذا الفشل الذي يتزامن مع نكسات اخرى في كثير من الملفات التي تدخلت فيها عبر مفهوم القوة العسكرية فقط يطرح اسئلة عما جرى وكيف ستكون ارتدادات انتصار طالبان وحلفائها في المستقبل.
مئات مليارات الدولارات صرفتها واشنطن وحلفائها في الحرب ضد طالبان وسنوات طويلة عمل فيها مستشارون وخبراء من أجل بناء جيش وحكومة ودولة تغير وجه افغانستان وتعيدها لدولة مدنية مسالمة في المجتمع الدولي، كل ذلك تهاوى بسرعة مع انسحاب القوات الامريكية وانهيار الجيش والحكومة والمنظومة التي بنتها واشنطن في السنوات الماضية.
هذا الفشل يعيد مرة أخرى طرح تساؤلات عن قوة واشنطن في الانتصار العسكري الساحق، وعجزها عن تحويل انتصارها لمكاسب على الارض وغياب قدرة تامة في فهم الأخر واصرار على اقامة نماذج سياسية لا تأخذ في الحسبان واقع الشعوب التي لا تعرفها واشنطن ثقافة وفكراً وادارة اجتماعية.
يصعب على الجندي الامريكي أن يفهم لماذا لا يأكل المواطن الافغاني في الصباح «الكورن فليكس» ولا يشرب القهوة الامريكية ولا يذهب وقت الغداء لمطاعم الاكلات السريعة، ويريد ان يغير هؤلاء ليكونوا مماثلين له في العادات والثقافة العرقية المتنوعة التي تعيشها امريكا، وبنفس الصعوبة لم يفهم المواطن الافغاني كيف يفكر هذا الجندي القادم من وراء الجبال والمحيطات وماذا يريد، وهل المساعدة التي يريد تقديمها يمكن تقبلها واستيعابها أم تخالف ثقافة وعادات وطباع شعوب تعيش منذ مئات السنين بين الجبال.
لم تفهم واشنطن مرة أخرى ان تغيير العالم ليس مشاريع واطروحات يقدمها طلبة متميزون في كبرى جامعاتها والتي في المحصلة لا تعدو ان تكون خليطاً بين رؤى نظرية بعيدة عن الواقع وتحاول فرض مفاهيم نظرية على مجتمعات مختلفة عن الثقافة الامريكية ومتجذرة في ثقافتها وواقعها.
الهزيمة في افغانستان امام طالبان وحلفائها من الجماعات الإرهابية اولها تنظيم القاعدة سيعطيها مكاسب كبرى باعتبار انتصارها على الجيش الأمريكي وحلفائه يكتسي بحسب رؤيتها طابع الانتصار على الكفار، وهذا الخطاب التحريضي سيعيد تشكيل وبناء امتداد هذه الجماعات في العالم ويفتح الباب امام تشكل مرحلة يكون فيها للفكر المتطرف دولة يحكمها وهوية يسعى لنشرها، تثير حماسة المتعاطفين معها وتجند سيلاً جديداً ممن يعيشون أوهام انتصارات ما يسمونها «دولة الخلافة» والتي ستنصر الحق وترفع الظلم وتطبق ما جاء في احكام الكتاب.
الجيش الامريكي سيحمل من عملوا معه لسنوات ويترك وراءه البقية يواجهون مصيرهم تحت حكم طالبان الذي سيبدأ بالانتقام من الاعداء وهم كثر داخل وخارج افغانستان، في تحالف لم ينفصم مع الحركات الجهادية التي ستجد قاعدة ارتكاز ستسهم في الانتقال من الدفاع في مواجهة الحرب على الارهاب الى الانتقام ممن اعلنها وشارك فيها.