أخر الأخبار
أفغانستان تحت عباءة «طالبان»
أفغانستان تحت عباءة «طالبان»

فى صباح الثلاثاء ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ فوجئ العالم ببث حى متلفز عن عملية إرهابية غير مسبوقة تاريخيًا وعالميًا حيث اقتحمت طائرتان مدنيتان مختطفتان يقودهما انتحاريون ينتمون لمنظمة القاعدة الإرهابية، والتى يترأسها أسامة بن لادن من أفغانستان، وقاما باقتحام وتدمير ناطحتى سحاب فى نيويورك، وكانت النتيجة مصرع ٢٩٦٦ إنسانا، وبالطبع قُتل الـ١٩ إرهابيا من تنظيم القاعدة، وبعد 17 دقيقة فوجئ الجميع بطائرة ثالثة تصطدم بمبنى البنتاجون فى واشنطن وتدمر جانبًا منه، وطائرة رابعة كانت تستهدف البيت الأبيض لكنها سقطت، واصطدمت بالأرض فى إحدى الحقول، وقد أعلن أسامة بن لادن من جبال قندهار فى أفغانستان، أنه هو المسئول عن هذه العملية بكل تفاصيلها.
وكان من أهم تداعيات هذا الحادث تحول ضخم فى تاريخ الولايات المتحدة والعالم؛ سواء من ناحية سياستها الداخلية أو على صعيد علاقاتها الخارجية. وكان من أهم ما أعلنته أمريكا عن سبب احتلالها أفغانستان هو القضاء على الإرهاب وضمان عدم استخدام هذا البلد (أفغانستان) كملجأ آمن للجماعات الإرهابية التى تهدد أمن واستقرار أمريكا أو أى بلد آخر فى العالم. وقد أعلنت أمريكا أيضًا الحرب على تنظيم القاعدة وعلى جماعة «طالبان» التى وفرت للقاعدة وزعيمها بن لادن الملاذ الآمن وحرية الحركة، على أن تستمر حتى القضاء نهائيًا على هذا التنظيم.
وها هو سبتمبر 2021م يقترب ولم يتحقق القضاء على طالبان، بل العكس هو الذى حدث. فالعجيب أن الولايات المتحدة اليوم تتفاوض مع طالبان، ذلك التنظيم الإرهابى الذى يعلن توبته بوعود تتنافى مع دعوته وإيمانه مثل السماح بعمل المرأة وصدور العفو العام عن جميع الموظفين طالبة منهم العودة للحياة الطبيعية والعمل فى المؤسسات الحكومية وقد ظهرت المذيعات على شاشات القنوات وفى الميدان دون اللجوء إلى وضع نقاب أو حجاب والذى كان مفروضًا على المرأة فى الفترة الأولى من حكم الحركة... إلخ، ومن المعروف والواضح والأنكى أنه مازالت الروابط القوية بين طالبان المُعدَّلة والقاعدة وداعش تزداد يومًا بعد يوم على قدم وساق. وما يجمع هؤلاء الثلاثة من أهداف معلنة هو مواصلة الحرب ضد القوات الأمريكية على كل الجبهات حتى خروجها من كل العالم العربى الإسلامى.
•••
لقد انتصرت رؤية وسياسة أوباما ووزيرة خارجيته، ومازالت أفكار هيلارى كلينتون وسياسة الحزب الديمقراطى مستمرة والذى كانت توجهاته هى ترك هذه البلاد لكى تقرر مصيرها بيديها. ولعلك عزيزى القارئ تتذكر انتخابات رئيس جمهورية مصر العربية أثناء الربيع العربى، وكيف ضغطت هيلارى كلينتون لإنجاح محمد مرسى، ونتذكر جيدًا تلك السنة التى كان فيها محمد مرسى رئيسًا لمصر وكيف حرر جميع المتطرفين من السجون.
وهكذا نستطيع أن نؤكد أنه بعودة الحزب الديمقراطى بقيادة بايدن سوف تعود هذه السياسة خاصة بعد هزيمة ترامب (الحزب الجمهورى) فى الانتخابات الأخيرة. بلا شك لقد ضيع ترامب فرصة فوزه ثانية برئاسة أمريكا بحماقاته السياسية، لكن من الناحية الأخرى نرى تداعيات سياسة الحزب الديمقراطى، حيث تحكم حركة «طالبان» دولة أفغانستان، وهى تتحدث الآن من كابول وقد استولت عليها تمامًا. لقد انهزم بايدن واهتزت الثقة فى الحزب الديمقراطى، ولقد وصل الحال إلى أن هناك مساعي من إدارة بايدن لإقناع «طالبان» بعدم مهاجمة السفارة الأمريكية فى كابول!، ومن السذاجة التى تعودناها من السياسيين الأمريكيين القول إن الحجة التى تعتمدها الحكومة الأمريكية هى أن طالبان من المستحيل أن ترتكب مذابح لأن حمام الدم قد يؤذى سمعتها الدولية!، وكأن الإرهابيين المتشددين قلقون من صورة وسمعة علاقاتهم العامة!. والسؤال الذى يجب أن تجيب عليه أمريكا هو: ما الذى تغير فى تفكير جماعة «طالبان»؟! وأين ذهب الجهد الذى كنا نسمع أنه بُذل خلال عقدين من الزمان لقيام وصعود جيل جديد فى أفغانستان قادر على مواجهة أفكار «طالبان» المتطرفة؟، وكذلك دعم نظام سياسى قابل وصالح لاستيعاب مختلف التيارات الحزبية والقبائل، وتمثيلها تمثيلًا عادلًا فى مؤسسات الدولة؟!.
إن ما ردده أوباما وهيلارى وكونداليزا رايس وهم يجلسون على كراسٍ مريحة يُنظّرون ويتفلسفون ويعظون بلاد العالم الثالث التى تحاول أن تتصدى للإرهاب الذى سيطر عليهم بسبب فقرهم وجهلهم قائلين «هذه بلادكم وعليكم الدفاع عنها وهذا شعبكم وعليكم حمايته، وفى النهاية عليكم أن تختاروا القيادة التى تريدونها لبلادكم». والحقيقة أن هذا كلام عظيم وعميق وصحيح لكن المشكلة الأهم، والتى تثير غيظى وشجونى وقلقى، كيف وصلت هذه الدولة الأكبر فى العالم وقد أدارت شئون هذا البلد (أفغانستان) وكانت تؤكد كل يوم أن الشعب الأفغانى قادر على حمل المسئولية، لكن كانت النتيجة هرب الرئيس الأفغانى وتقدم قوات طالبان وسيطرتها على كابول ومعظم المدن؟! وهكذا هربت القوات العسكرية الأفغانية وتفكك الجيش النظامى. والسؤال: هل هذا سوء تقدير، أم فشل استخباراتى فظيع؟!
وكيف لم تلتفت الاستخبارات الأمريكية إلى فرار عدد كبير من عناصر الجيش الأفغانى تاركين دباباتهم خلفهم مع تقدم طالبان، وهو ما يُذّكرنا بما حدث فى العراق عندما فرت بعض القوات العراقية أمام تقدم تنظيم «داعش» وسيطرته على مدينة الموصل فى يونيو ٢٠١٤م.
•••
أما الطامة الكبرى فقد سمعتها مباشرة من جو بايدن إذ يقول «ليست وظيفة أمريكا أن تقرر مستقبل أفغانستان نيابة عن شعبها»، وهذه الجملة بالذات رسالة لكل دول العالم أن تفقد ثقتها فى أمريكا، فهى تقول إن أمريكا ليست مستعدة للوقوف مع حلفائها، إلا إذا كانت مصلحتها الخاصة تقتضى ذلك.
وهكذا تستخدم أمريكا مصطلحات وتصريحات عكس بعضها البعض، ليس لصالح الشعوب المغلوبة على أمرها لكن لصالح أمريكا وتحالفاتها ولتذهب هذه الشعوب إلى الجحيم، ما الذى يحدث عندما يترك الأسد فريسته بعد أن ينهشها ويأكل لحمها وعظمها، أنه يتركها لباقى الوحوش الأضعف منه التى تنتظره وهو ينتهى منها، وها هى روسيا والصين وإيران وتركيا... إلخ، يتأهبون منتظرين ما الذى ستؤول إليه أحوال أفغانستان، وكيف يمكنهم التدخل فى الوقت المناسب ليقطفوا ثمار انسحاب أمريكا.
إن الانسحاب الأمريكى لن يهب السلام لأفغانستان بل العكس هو الصحيح فهو سوف يترك فراغًا ربما يتسبب فى حروب على جبهات مختلفة. ولو تحدثنا عن موقف إيران نتساءل هل الوضع الجديد خطير عليها؟ وهل طالبان عدو طبيعى لنظام طهران؟. إن حدود إيران مع أفغانستان لا تقل عن ألف كيلومتر، وهذه المسافة كافية لإخافة النظام فى إيران من الوضع فى أفغانستان سواء اندلعت فيه حرب أهلية أو استقر تحت حكم طالبان. قد تعادى طالبان إيران وتندلع حرب بينهما وقد يكون العكس إذا أصبحا متحالفين، فالفروق المذهبية ليست كافية لمنع الاتحاد السياسى بينهما.
التنافس محموم بين القوى الكبرى على أفغانستان، فهى من الأماكن القليلة فى العالم التى تتنافس عليها الصين وروسيا وأمريكا، وهناك القوى الإقليمية باكستان والهند وإيران التى لها نفوذها المحلى وعازمة على الاحتفاظ به.
وهكذا كما عاد الخمينى عام 1979م من باريس وأقام دولة دينية لا زالت قائمة حتى اليوم، والله أعلم حتى متىن فها هو المُلا عبدالغنى برادر يستقل الطائرة من قطر إلى كابول ليتسلم مقاليد السلطة بدون أى مقاومة تُذكر، وستقيم طالبان دولة دينية، ويعلم الله إلى متى ستستمر هذه الدولة، وكيف ستتعامل مع الأفغان والدول المجاورة.