الاعلان عن افشال محاولة اغتيال الرئيس التونسي قيس سعيد عبر تفجير انتحاري ينفذه ذئب منفرد يوضح ان فتوى الإباحة صدرت عن الجماعة الارهابية باستهدافه، ومثل هذه العمليات ليست ضمن ما يسمونه بالعمل المباح لعناصرها الذين لهم حق تنفيذه بحسب الظروف، واباحة قتل الرئيس فتوى صدرت من الجماعة في وقت تعيش فيه تونس مرحلة انتقال سياسي كبير بعد قرارات 25 تموز يوليو الماضي والتي صنعت بداية تغيير في الواقع التونسي الذي نهشه الفساد ومافيات الاحتكار والتهريب والتلاعب بمقدرات الدولة.
مخطط داعش الذي اجهض في مرحلة مبكرة يظهر وجود خلية ارهابية تعمل في مناطق الغرب الليبي ساحة تواجد الجماعات المسلحة ذات التوجهات الجهادية والمتحالفة مع جماعة الاخوان المسلمين وميلشياتها لتنفيذ الجريمة، مما يظهر أن هذا التوجه لا يقف عند حدود تنظيم داعش بل يتماهى ورؤى من يحتضنه في المنطقة ويسهل له الحركة والعمل.
دخول داعش على خط الصراع السياسي في تونس ومحاولة استهداف الرئيس قيس سعيد تفتح الباب مجدداً حول لقاء مسارات المتضررين من برنامجه السياسي وقراراته الاخيرة والحرب التي بدأت على الفساد والمحتكرين والمهربين، خاصة وان الجماعات الارهابية اليوم تسعى لخلق ساحات جديدة من الفوضى لتعيد انتشارها وتسير نحو تحقيق مشاريعها بإقامة دولة الخلافة مستلهمة من نجاح طالبان نهجاً يدفعها للسير بقوة نحو تحقيق مأربها.
المتضررون من التغيير الذي تشهده تونس تتلاقى رؤيتهم مع داعش في ضرورة التخلص من الرئيس التونسي الذي اسقط بضربة واحدة كل مشاريعهم وبرامجهم للتمكن من مفاصل الدولة وتحويلها دولة راعية للفساد والتهريب ومافيات نهب المال العام.
التفاعل الشعبي مع رئيس الدولة شكل صدمة لكثير من القوى السياسية التي وجدت نفسها فاقدة لقواعدها التنظيمية ومعزولة عن الشارع وزاد من عزلتها اتخاذها لمواقف ضد توجهات الرئيس، مما عمق في ابتعادها عن واقع الشارع التونسي المنهك بتفاقم الازمة الصحية جراء جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي وتفاقم الازمات الاجتماعية التي نتجت عن سوء ادارة الحكم في السنوات العشر الماضية واعتباره غنيمة للأحزاب السياسية التي تفننت في الضحك على المواطنين والتنكر لتعهداتها وشعاراتها التي ترفعها في الحملات الانتخابية.
الحرب على الفساد والمحتكرين وكبار المهربين اعاد للأذهان الترابط الذي جمع بين الارهاب والتهريب في السنوات القليلة الماضية وكيف تحالف الارهابيون والمهربون في المناطق الحدودية مع ليبيا، وبدرجة اقل في مناطق الوسط الغربي لتونس المحاذية للحدود مع الجزائر، هذا التحالف سمح في سنوات الفوضى التي عاشتها تونس بعد سقوط النظام في 2011 بإدخال كميات كبيرة جدا من الاسلحة وتمركز عدد كبير من الارهابيين على جانبي الحدود نفذوا عددا كبيرا من الجرائم الارهابية كان أخطرها محاولة اقامة امارة داعشية في مدينة بن قردان جنوب تونس.
الحرب على الفساد اعادت تحريك التحالفات القديمة بين من يشعرون بخسارتهم وفقدانهم للشرعية السياسية والجماعات الارهابية واستهداف الرئيس التونسي بدأ ولن يتوقف لأن نجاحه في ضرب هذه المافيات التي تتغطى بالقوى السياسية الفاعلة في مجلس النواب الذي تم تجميد عمله ورفع الحصانة عن نوابه يعني انتهاء وجودها وخلق مرحلة جديدة لبناء دولة تقوم على العدل والمساواة بين ابنائها.
الرئيس التونسي فتح ابواب القضايا الحارقة داخلياً وخارجياً مما اثار وسيثير ضده الكثير من التهديدات والازمات لكنه يعري ويفضح التحالفات القديمة المتجددة بين الارهاب ومافيات التهريب والاحتكار والقوى السياسية التي تحميها وتسعى لهدم مدنية الدولة لحساب مشروعها المسمى زوراً وبهتاناً بإقامة دولة اسلامية.