حسنا فعلت حملة المشير عبدالفتاح السيسى الفائز بمنصب رئيس الجمهورية حينما أشادت بالمرشح المنافس حمدين صباحى، وأتمنى أن يبادر المشير شخصيا ويتصل بصباحى ويدعوه إلى فنجان شاى أو قهوة، يشكره فى هذا اللقاء على دوره وجهده فى الانتخابات الرئاسية.
مثل هذا اللقاء لا يقتصر على تناول الشاى بل يبحث فيه الطرفان كيفية العمل معا من أجل الوطن.
لا أقصد بطبيعة الحال أن يعرض السيسى على حمدين أحد المناصب، فالأخير أعلن بوضوح أنه لا ينوى قبول أى منصب غير منتخب.
فى البلدان المتحضرة فإن المتنافسين يجلسون معا، كنوع من طمأنة المجتمع أولا، والجماهير المحتقنة والمتعصبة ثانيا وبحث كيفية الاستفادة من برنامج المرشح الخاسر إذا أمكن.
حمدين صباحى سيدخل التاريخ من أفضل أبوابه وسيتوقف هذا التاريخ طويلا أمام موقفه الوطنى والشجاع والنبيل الذى اتخذه منذ 25 يناير 2011 وحتى نهاية الانتخابات الرئاسية مساء الأربعاء الماضى ثم إعلانه مساء الخميس الماضى إنه يقر بخسارته للانتحابات وإنه سيواصل العمل لبناء تيار وطنى ديمقراطى.
الرجل من البداية كان محافظا على ما يؤمن به من مبادئ خلافا لما حدث مع الكثير من السياسيين فى مصر، عارض السادات بشجاعة وهو طالب، وتصدى لحسنى مبارك، ووقف ضد الإخوان، ولعب دورا رئيسيا هو وتياره الشعبى فى الحشد الجماهيرى لثورة 30 يونيو التى أسقطت حكم الإخوان.
لم يستجب لكل مغريات الإخوان وأعلن أن شرعية محمد مرسى السياسية والأخلاقية سقطت بإصداره الإعلان الدستورى. ولعب دورا محوريا فى جبهة الإنقاذ مع بقية قادتها.
التيار الشعبى الذى يقوده كان رأس الحربة فى المظاهرات والفاعليات التى عجلت بإسقاط جماعة الإخوان، وغالبية قادة وكوادر حركة تمرد كانوا فى الأساس داخل التيار الشعبى.
كان يمكنه ان يريح نفسه ولا يترشح وهو يرى غالبية الشعب تصطف مع المشير أو خلفه. لكنه وإيمانا منه بضرورة وجود دولة قوية ديمقراطية حديثة قرر أن يترشح أمام المشير، حتى وهو يدرك أن فرصه قليلة.
ترشح صباحى أنقذ الانتخابات الرئاسية، جعل لها مذاقا وطعما أمام العالم، لولاه لصارت استفتاء، ولتكرست الصورة التى تقول ان ما حدث انقلاب هدفه الوحيد الإتيان بالسيسى رئيسا والجيش متحكما.
تحمل السيسى بذاءات وسفالات كثيرة من بعض الصغار والجهلة والتافهين، وللأمانة فلم ينجر إليها وحافظ على نفسه مترفعا عن كل هذا، وظل يتحدث عن المشير السيسى بصورة محترمة وراقية، وفطن لكل المصائد التى تحاول إدخاله فى معارك شخصية مع السيسى أو فى خلاف وتعارض مع جيش مصر الوطنى.
لكن الموقف الأكثر وطنية لصباحى هو رفضه نداءات الكثير من قيادات حملته للانسحاب عندما قررت اللجنة العليا للانتخابات مد التصويت يوما ثالثا. كان يمكن له وهو يدرك النتيجة أو مؤشراتها على الأقل أن ينسحب ويصير بطلا فى عيون الغرب وبعض متطرفى حملته وجماعة الإخوان وكل كارهى 30 يونيو.
لو انسحب حمدين ما كان يمكن لأحد أن يلومه. لو فعل ذلك لحق له وقتها القول إن هناك انتهاكات قد حدثت، و«لعب» قد تم ومحاولات غير شريفة جرى تجريبها، وجماهير تم حشدها، لكنه، فضل مصلحة بلده على مصلحته وصورته الشخصية. هو قرأ بتمعن خطورة إقدامه على هذه الخطوة. صباحى كان وطنيا بامتياز ومصريا حتى النخاع ومتسقا مع نفسه وتايخه. فوجب على كل مصرى أن يحييه ويرفع له القبعة امتنانا وعرفانا.