تسعى إسرائيل – هذه الأيام – سعيا محموما إلى جذب الأقلية المسيحية العربية فيها للانضمام إليها بمواجهة الغالبية المسلمة في المنطقة. وقد تجلى ذلك، مؤخرا، بإعلان جيش «الدفاع» الاسرائيلي الشهر الماضي استدعاء مسيحيين من فلسطينيي 48 للخدمة، مشيرا الى ان «الاستدعاء اختياري وليس الزاميا». كما تجلى أيضا في القانون الذي وضعه البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) حيث يفرق بين فلسطينيي 48 المسلمين منهم والمسيحيين، ويمنح الأخيرين امتيازات أكبر في مجال العمل. ولقد أكد النائب الليكودي (ياريف ليفين) الذي قدم مشروع القانون أن المسيحيين «حلفاء طبيعيون لنا ويشكلون ثقلا مضادا للمسلمين الذين يريدون القضاء على الدولة من الداخل»!!! من جانبه، يشير (غابرييل بن دور) مدير معهد دراسات الامن القومي في جامعة حيفا إلى أن «هناك بالفعل تدهورا في وضع المسيحيين في الشرق الاوسط. إنه الوقت المناسب لتقوم اسرائيل بتحسين وضع الاقلية المسيحية فيها، لان هذه الاقلية الان اكثر حماسا للتعاون مع إسرائيل وهذا من شأنه أن يحسن مكانة إسرائيل الدولية». بذلك، تتابع إسرائيل اليوم اللعب بورقة «الطائفية» بين المسيحيين والمسلمين في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بعد أن كانت قد صنفتهم إلى مسلمين، ودروز، وبهائيين، ومسيحيين.. وبدو منذ 1948. ومن المؤكد أن الدولة الصهيونية لن تسعى إلى دمج المسيحيين في المجتمع الاسرائيلي كمواطنين يتمتعون بالحقوق الكاملة، فأكبر دليل على ذلك استمرار التمييز الواضح ضد العرب الدروز الذين يخدمون في جيش «الدفاع». وفي كل ما سبق، انفضاح سافر لسياسة إسرائيل على هذا الصعيد.
يقول مراسل مجلة الإيكونوميست في القدس المحتلة (نيكولاس بيلهام): «قبل زيارة البابا ارتدت جماعات الضغط اليهودية المتعددة في العالم عباءة المنقذ للمسيحيين في الشرق الأوسط، باعتبار أن إسرائيل الدولة الوحيدة التي توفر الملاذ الآمن للمسيحيين في الشرق الأوسط على النقيض من «جلاديهم» المسلمين». ومن ضمن مقارنته، يقول (بيلهام) إن «سجل السلطة الفلسطينية أفضل بكثير من إسرائيل: فالمتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسيحي، واثنان من أعضاء مجلس الوزراء (الشؤون المالية والسياحة) مسيحيان، واثنان من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مسيحيان أيضا، وكذلك نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني. المسيحيون كثر في مجالس البنوك وغرف التجارة، بلديتا رام الله وبيت لحم يجب أن يكون مجالسهما البلدية في غالبيتها مسيحية مع رئيس بلدية مسيحي. عيد الميلاد والأعياد الشرقية هي العطل الرسمية الفلسطينية. الرئيس عباس يحضر ثلاثة أعياد ميلاد (للروم الأرثوذكس والكاثوليك والأرمن) في بيت لحم، وسوف يحتفل بعيد الفصح في القدس إن سمحت له إسرائيل بالدخول». ويتابع (بيلهام): «على النقيض من ذلك، بعد 66 عاما على النكبة، لم يكن في إسرائيل متحدث واحد مسيحي باسم الرئاسة، أو وزير في حكومة، أو رئيس بنك». ويضيف: «في البرلمان الفلسطيني هناك ثمانية مسيحيين، وفي البرلمان الإسرائيلي اثنان. لدى الدولة الفلسطينية ما لا يقل عن خمسة سفراء مسيحيين، بما في ذلك لندن وبرلين، وإسرائيل لديها فقط نائب سفير في النرويج مسيحي. الكنيست يمنع أشجار عيد الميلاد التي تنبت في جميع أنحاء فلسطين من العرض العام في مقره. لا يذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الكنيسة لعيد الميلاد».
إذ نؤكد دائما على الأهمية الفائقة للوجود المسيحي في المشرق العربي وعلى المصير المشترك بين المسيحيين والمسلمين في التصدي للتحديات المشتركة التي تواجههم، نؤكد أيضا على ضرورة تحرك الدول العربية والإسلامية، علاوة على الكنائس (وقبلها الجوامع) جماعيا لإنقاذ الوجود المسيحي في فلسطين، وبشكل خاص مدينة القدس، من الهجمة الصهيونية الأكثر شراسة للتهويد الذي يطال، على حد سواء، المسلمين والمسيحيين وأماكنهم المقدسة. كذلك، لا بد للمراجع الدينية الإسلامية من تعزيز جو الطمأنينة لدى المواطنين من الطوائف المسيحية كونها شريكة أساسية في المجتمعات العربية التي يعيشون فيها، علما بأن التوترات المذهبية بين المسلمين أنفسهم تهدد استمرار التعددية الدينية في المنطقة وتزيد من قلق المواطنين (مسيحيين ومسلمين) من وباء الفكر التكفيري. وختاما، مثل هذه الحملات والجهود تزيد من عزم المسيحيين المشرقيين (والمسلمين أيضا) وتحفزهم على مزيد من الصمود في الوطن رغم الرياح العاتية المتجسدة في جهود الاقتلاع التي تمارسها وترعاها إسرائيل.