تختلف مواقف واهتمامات المجتمعات بشأن ظاهرة قتل النفس ( الانتحار) من حيث تحريمها دينياً وتجريمها قانونياً واستنكارها اجتماعياً. باعتبارها سلوك فردي يأتيه الفرد بكل ما اؤتي من سلطان ارادته الحرة. هي مشكلة من ضمن المشكلات الاجتماعية التي ظهرت بصورة لافتة واخذت صورا عديده في تنفيذها كالسقوط من مكان مرتفع او شنق او خنق او حرق النفس او تناول السُّم او تعاطي المخدرات وغيرها من الاساليب التي تعد مؤشراً على التفكك المجتمعي نتيجة ازدياد الشعور بالإحباط واليأس والاكتئاب الذي ينتاب الفرد لأسباب مختلفة.
من الجانب الاجتماعي يُعد عالم الاجتماع دور كايم من أوائل العلماء المفسرين لأسباب هذه الظاهرة وله مؤلف خاص بها فقد عرّف الانتحار في كتابه المعنون ب» الانتحار» : بأنه كل حالات الموت التي تنتج مباشرة او غير مباشرة عن فعل ايجابي او سلبي ينفذه الضحية بنفسه وهو يدرك انّ الفعل يؤدي الى تلك النتيجة بمعنى ركز دور كايم على عنصري المعرفة والإدراك بالفعل والنتيجة. وذكر اربعة اشكال للانتحار: قتل النفس الاناني الذي يأتي نتيجة فشل الفرد في الاندماج الاجتماعي ،و الانتحار الايثاري وهو عكس الاول الذي ينتج عن تضحية الفرد بنفسه في سبيل الجماعة، والانتحار اللامعياري وهو الذي ينتج عن صعوبة التأقلم مع مستويات المعيشة المتدنية التي لا تلبي حاجات الفرد واشباع رغباته، والانتحار القدري الي انتشر في مجتمعات اروبا الوسطى ابان عصر العبودية والرق.
من الجانب القانوني فأنّ أغلب التشريعات الجزائية الحديثة لم تجرّم فعل الانتحار على اعتبار عدم جدوى معاقبة شخص انتهت حياته، قانون العقوبات الاردني كغيره من التشريعات التي رأت عدم جدوى معاقبة المنتحر او الشارع بالانتحار باستثناء ما نص عليه القانون العسكري الاردني في المادة (44) . وهذا يؤكد ان الانتحار يساوي جريمة قتل مقصودة لكنها تختلف بنوعها فالعقاب يسقط بمجرد قيام عملية الانتحار لانّ الجاني فيها يكون فارق الحياة لكن من جانب آخر فأن المشرّع لم يهمل الموضوع حتى لا يُفهم انه يسمح بوقوع الانتحار او الحمل او المساعدة عليه فقد ذهب المشرع الى ضرورة معاقبة المحرّض على فعل الانتحار بنص المادة 339 من قانون العقوبات، والتحريض على الانتحار يتخذ سلوك عدة : كتقديم العون الى الراغب في الانتحار وحده كما حددتها نص المادة (80/2) من القانون ذاته والتي اشتملت عدة اشكال ؛أما بتقديم الارشادات ، أو تقديم الاداة او المادة أو تقوية عزيمة المنتحر وتشجيعه على الانتحار، أو معاونته على الافعال التي تهيئ على الانتحار والتي تسهل ذلك وتمكنه من الانتحار. ومن المهم أيضاً ملاحظة ان المشرع عندما أخذ بعدم معاقبة فعل الشروع على الانتحار من منطلق انّ من هانت عليه نفسه تهون عليه اي عقوبة.
الدوافع والاسباب للإقدام على فعل الانتحار مختلفة فثمة دوافع نفسية واجتماعية وصحية واقتصادية واكثرها شيوعاً قد تكون بسبب مرض عضوي مثل المرضى المصابين بالذهان والانفصام بأن يسمع المريض صوتاً يأمره بإلقاء نفسه من مكان مرتفع مثلاً حالات اخرى لأشخاص مرضى نفسيين او مدمني مخدرات اخذوا جرعات متزايدة من المخدرات على امل الحصول على المزاج العالي عدا عن الاسباب الاجتماعية المرتبطة بعوامل التفسخ الاسري والضغوطات الاقتصادية المتمثلة بهروب الفرد من التزاماته الاسرية تجاه اسرته فضلاً عن ضعف الوازع الديني لدى الفرد.
ان مكافحة هذه المشكلة تتطلب ابتداءاً تحديد الجهات التي يقع على عاتقها وقف تزايد هذه المشكلة وتوفير العلاج اللازم للضحايا الناجيين من محاولة الانتحار وهذا الامر يتطلب العمل ضمن اتجاهين الاول يكون اعلاميا من خلال التوعية بمخاطر تعاطي المخدرات وتداعيات حالات الاكتئاب وما يرتبط به من عوارض الانطواء والعزلة الفردية ببث رسائل التوعية والصحة النفسية وتفريع الذات وضبط للمعلومات ضمن واقع حقيقي وملموس والاتجاه الاخر استحداث مركز خاص لمن حاولوا الانتحار يكون على اساس الادخال القسري للأشخاص عالي الخطورة لعلاجهم مثل المدمنين ومحاولي الانتحار مع عدم اغفال دور الاسرة والمدرسة والمساجد كون ان مكافحة هذه المشكلة مسؤولية اجتماعية تفتك بالمجتمع.