واضح ان آلية تشكيل الحكومة تمت وفق إرادة الرئيس أبو مازن، حيث أن القوام الاعظم منها تم اختياره بالوقت الذي قامت به العديد من القوى والفاعليات بتقديم اسماء مرشحين للوزارة ، كما أن اللجنة المركزية لحركة فتح لم تساهم في اختيار المرشحين ، كما أن موافقة حماس على بعض الاسماء ذات الخلاف أبرزها وزارة الخارجية يعكس في نفس الوقت رغبتها بعدم العودة إلى الوراء وعزمها عن الابتعاد عن المشهد الحكومي الرسمي والمباشر الذي يمثل الشعب الفلسطيني أمام القوى الرسمية حتى أنها لم تصر على ترشيح اياً من الوزراء المقربين منها .
إن الآلية التي راقبتها قوى وفاعليات شعبنا تعكس طريقة صياغة القرار ليس فقط في الحكومة بل كذلك بكيفية التصرف بهيئات ومؤسسات السلطة والمنظمة والملفات الاخرى أيضاً .
ولما كان مفهوماً المرونة العالية التي ابدتها فتح وحماس وباقي الفاعليات تجاه تشكيل الحكومة الموحدة وإحالة مسالة البث بأسماء الحكومة للرئيس لاختيار بوصفها عنواناً واحداً للشعب الفلسطيني في تجاوز لحالة الانقسام ، فإن آلية تشكيل الحكومة تعكس العديد من الاسئلة والملاحظات تتطلب التفكير في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة ، والتي بات من الواضح أنها حكومة الرئيس وتلتزم ببرنامجه السياسي والأمني كما أعلن عدة مرات ، رغم تركيزها على الطابع الفني والمهني بهدف تسهيل حياة المواطنين بالحركة وبالجهد الاقتصادي إلى جانب إنجاز ملف الحريات العامة والمصالحة المجتمعية بالإضافة للعمل على توحيد الأجهزة الإدارية والمؤسساتية تحت عنوان مؤسسي واحد .
وبالوقت الذي تشير به آلية تشكيل الحكومة إلى ضعف إن لم نقل غياب الشراكة ، فإنها تعكس في نفس الوقت مدى الالتزام الكامل بشروط الرباعية " الاعتراف باسرائيل، إدانة العنف، والاعتراف بالاتفاقات الموقعة " بل أكثر من ذلك فإنها تشير إلى الرغبة بعدم الرجوع إلى حالة تصادم أو الاحتكاك مع دولة الاحتلال وليس أدل على ذلك من اللغط الذي حل بوزارة الأسرى والتي أراد الرئيس تحويلها إلى هيئة مستقلة وذلك بهدف تجاوز الاتهامات الاسرائيلية إلى السلطة بوصفها تمول الأسرى واسرهم من اموال المقاصة " الضريبة " ، هذا بالوقت الذي تشهد السجون ثورة حقيقية في مواجهة إدارات السجون عبر معركة الامعاء الخاوية بهدف ألغاء الاعتقال الإداري التعسفي .
لقد تم اشغال شعبنا لمدة شهر ببازا اسماء الوزارات واثيرت المقالات والملاحظات عليها وها نحن نشهد ولادة هذه الحكومة بعد 8 سنوات من الانقسام المرير ، فماذا بعد ؟؟ .
هل ستستطيع هذه الحكومة القيام بالمهام الجسام الموكلة إليها وفي المقدمة منها انهاء الحصار المفروض على قطاع غزة والشروع في عملية إعادة بنائه واعماره جراء العدوانيين الشرسين في 2008 – 2012 والتحضير للانتخابات العامة .
وهل سيتم التمديد لهذه الحكومة وبالتالي لن تكون فترة الستة أشهر ملزمة لأجراء الانتخابات ؟؟واية انتخابات سيختار شعبنا بقواه وفاعلياته السياسية والاجتماعية المختلفة ، هل انتخابات المجلس التشريعي التي تعنى إعادة انتاج سلطة أوسلو والسير في مساره بما في ذلك استمرارية الرهان على المفاوضات والتنسيق الامني ، أم ستختار انتخابات للمجلس الوطني ل م.ت.ف أم انتخابات لبرلمان الدولة الفلسطينية وبوصفها تحت الاحتلال؟؟
انني أرى أنه آن الأوان لدخول القوى السياسية والمجتمعية بحوار جاد باتجاه الاجابة على سؤال ماذا بعد تشكيل حكومة ؟؟ وما هي طبيعة المرحلة التي نعيشها وهل ستستمر في اعادة تجديد مؤسسات أوسلو المبنية على فكرة الحكم الإداري الذاتي في اطار سلطة مقيدة يعمل الاحتلال جاهداً على عدم تحويلها إلى دولة ذات سيادة ؟ .
لن تضيف المصالحة شيئاً نوعياً إذا لم تستطع أن تتحول إلى برنامج للوحدة الوطنية على طريق تغير المسار السياسي بما يتطلب إعادة الصراع إلى جذوه بوصف شعبنا يواجه احتلالاً استيطانياً عسكرياً وعنصرياً ، الأمر الذي يفترض إعادة تعريف المرحلة بوصفها مرحلة تحرر وطني وليس مرحلة سلطة ، يعمل الاحتلال على تكريسها وتأبيدها ولكن دون تحولها إلى دولة تحصل على حقها في تقرير المصير ليستمر احتلالاً مريحاً وغير مكلف .
لا نستطيع احداث تغيراً جذرياً في موازين القوى بدون إعادة بناء م.ت.ف بوصفها المعبرة عن الهوية الوطنية لشعبنا بالوطن والشتات ودون استنهاض وتفعيل كافة طاقات الشعب الفلسطيني عبر إعادة بناء ودمقرطة الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية لتصبح قوة جامعة وحاشدة للطاقات تستطيع أن ترسم برنامجها في تحقيق مصالح الفئات الاجتماعية التي تمثيلها إلى جانب الدور الهام في تصعيد الكفاح الوطني في مواجهة الاحتلال عبر استخدام أدوات تستند إلى القانون الدولي ومنها حملة المقاطعة BDS إلى جانب الكفاح القانوني التي تخوضه منظمات حقوق الانسان والدبلوماسي التي تمارسه السلطة عبر تعزيز مكانة فلسطين كدولة غير عضو بالأمم المتحدة بالمحافل الدولية ، بالإضافة إلى تصعيد المقاومة الشعبية على الأرض ،وتعزيز صمود المواطنين .
إن قراءة آلية تشكيل الحكومة لا تعكس الطموحات والمطالب الواردة اعلاه حيث تؤشر بعجالة لإعادة تجديد المرحلة القديمة التي بدأت في عام 94 وليس إلا ؟؟
رغم الملابسات العديدة التي رافقت تشكيل الحكومة، إلا إننا يجب أن نرحب بها ونعمل على مراقبتها في أداء مهماتها المنشودة خاصة أنها تروج أمام الراي العام بأنها حكومة مهنية الأمر الذي يتطلب مراقبة ومسائلة الوزارة على أدائها في الاقتصاد وقضايا المجتمع والعمل والأسرى وكافة الملفات الأخرى.
فمن الهام السعي الجاد باتجاه تغيير المسار إلى جانب عدم السماح لاستمرارية الحكومة لمدة زمنية تتجاوز ما تم الاتفاق عليه في إعلان الشاطئ ، حيث تعتبر التحضير للانتخابات واحدة من المهام الرئيسية لهذه الحكومة وبالمقابل فيجب متابعة باقي الملفات ومنها الإطار القيادي المؤقت ل .م.ت.ف حتى يتم تكامل حلقات المصالحة لكي نتجاوز هذه المرحلة الانتقالية على طريق إعادة بناء وتفعيل الحركة الوطنية على أسس من الشراكة المتينة وضمن آليات مشتركة مع العمل الديمقراطي التي ننشدها في بنية النظام السياسي الفلسطيني الذي يجب أن يقوم على بناء المؤسسات والآلية الجماعية في صناعة القرار .