هل هي «يقظة» متأخرة؟ أم افلاس موصوف؟ بعد ان لم تعد ورقة الارهاب «مُجزية» وبعد أن باتت عبئاً على الذين فتحوا حدودهم بكرم عثماني سخي ونادر, لم تعرفه الشعوب العربية التي جثم الاستبداد العثماني طويلاً ولأربعة عقود على... كاهلها؟
ثمة من يقول: ان الدور التركي في المنطقة قد تراجع ووصل الى ادنى مستوياته، بعد ان فشل الثنائي اردوغان – اوغلو, في استتباع سوريا وجعلها حديقة خلفية لدولتهما الاسلامية المعتدلة، (على ما يصفهم اصدقاؤهم في اميركا وبعض العرب وأوروبا) وبعد ان راهنا بكل اوراقهما كي «يقتطعا» المحافظات الشمالية من الجمهورية العربية السورية وخصوصاً مدينة حلب وريفها، كي ينتهي ذلك الاقتطاع «التركي» على النحو الذي آل اليه لواء اسكندرون، كأمر واقع، قد يجد من يعترف به ويسوغه ويُنظّر له (حتى من بين العرب)، على قاعدة إدعاء حكام انقرة عدم تحوّل الشمال السوري الى «منصة» وقاعدة انطلاق لهجمات «ارهابية» على جنوب تركيا, وخصوصاً تلك المنظمات والفصائل «الكردية» المرتبطة بحزب العمال الكردستاني PKK، فضلاً عن الكرد السوريين بقيادة صالح مسلّم, الذي «انشأ» ادارة ذاتية كردية, في مناطق التواجد الكردي السوري, ما اثار حفيظة ومخاوف الحكومة التركية.
اياً كانت التكهنات التي رافقت الهجمة التركية الشرسة ومنفلتة العقال والسيناريوهات على سوريا, وبخاصة في فتح الحدود امام المجموعات الارهابية والمرتزقة الجوالين الذين تدفقوا من كل مكان في العالم، وحظوا بتسهيلات ورعاية وتمويل غير مسبوق اميركياً واوروبيا وخصوصاً تُركيّاً وعربيّاً، فان احداً لا يستطيع الدفاع عن الموقف التركي، الذي فاحت منه رائحة الانتقام والاستعلاء، والرغبة «المَرَضِيّة» في استعادة امجاد العهد العثماني البائد، والتأسيس لهيمنة طورانية على الأمة العربية تحت راية استعمارية, تتدثر زوراً بعباءة الاسلام وترطن باسمه, لكنها عاجزة عن إنجاز هذه المهمة، بالدبلوماسية الناعمة، او عبر آليات ومقاربات تتوسل اساليب جاذبة للشباب العربي او النُخب العربية, للسير على دروب النموذج التركي الآخذ في الأفول والانهيار، بعد ان ظهرت المطامح الاستعمارية بوضوح في المواقف العدائية التي اتخذتها حكومة اردوغان ضد سوريا ومصر، خصوصاً بعد إنحياز المؤسسة العسكرية المصرية الى جموع الشعب المصري, واسهمت في اطاحة حكم الاخوان المسلمين وإسقاط محمد مرسي... عزيز اردوغان.
اردوغان، الذي أظهر ضيقاً وتبرماً, ازاء تعبير الجمهور التركي عن آرائه في مسائل داخلية بيئية وثقافية واقتصادية، كشف بوضوح عن حال التردي والعزلة الاقليمية والدولية, التي باتت تفرض نفسها على المشهد التركي, وبما يسهم في تبديد كل الارصدة والانجازات التي اعترف كثيرون له بالفضل في تجسيدها خلال عشر سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية، لكن الرجل وقد «أسكرته» شعبيته وتشتت صفوف المعارضة، بدا وكأنه فقد اعصابه وراح يتصرف كمستبدٍ, ويريد للجمهور التركي ان يلتزم حدود الديمقراطية التي يقوم بتفصيلها له، ولهذا لم تعد قراراته المتسرعة والنزقة وغير الديمقراطية تفاجئ احداً، بعد ان لم يرضخ لقرار المحكمة بإعادة موقع يويتوب للعمل، وقال مؤخراً في صلف واستعلاء ان قوات الامن التابعة لحكومته ستعتقل أي تركي يريد التظاهر في ميدان تقسيم باسطنبول في مناسبة الذكرى الاولى للاحتجاجات التي اندلعت في اواخر ايار 2013, رفضاً لقرارات قراقوشية اصدرها اردوغان، ارادت «أسْلَمَة» حديقة جيزي او قل «عَثمَنتها» على نحو يهدد البيئة والخصوصية الثقافية للحديقة، لكن الرجل كابر وتحدّى, مستخدماً سلطته «المطلقة» التي لا يمكن وصفها بغير الديكتاتورية.
اين من هنا؟
بعد عامين «تقريباً» على قرار واشنطن, وضع «جبهة النصرة» على قائمة المنظمات الارهابية، وبعضنا «ربما» يتذكر دفاع فخامة رئيس ما يسمى «بالائتلاف» الشيخ احمد الخطيب في مؤتمر «اصدقاء» سوريا، الذي عُقد في المغرب عن جبهة النصرة, وانتقاده القرار الاميركي واعتبار مقاتلي الجبهة «أخوة وثواراً» يسهمون في «الجهاد» لإسقاط النظام السوري..
نقول: بعد عامين.. استيقظ اردوغان يوم امس، ووضع الجبهة المذكورة على قائمة الارهاب، في خطوة متأخرة, يصعب وصفها بغير الإفلاس السياسي والفشل العسكري الموصوف، هذا القرار الذي لن يؤخر ولن يُقدم، في حقائق الميدان السوري، بل ربما يؤسس لمرحلة جديدة، قد تكون فاتحة لمراجعة ذاتية نقدية وجريئة لمجمل المواقف التركية المنحازة والمعادية للشعب السوري, بعد ان بلغ الارهاب ذروته، وبعد ان باتت مخاطره تطال الجميع، وخصوصاً في انقلاب السحر الارهابي على الساحر التركي، حيث لن يسهم هذا القرار المتأخر جداً, الا في تأكيد افلاس السياسات والدبلوماسية التركية في اكثر من ملف وعلى اكثر من صعيد.