يتعين على الرئيس الفلسطيني أن يقضي جزءاً غير يسير من وقته في غزة، وكذا الحكومة التي يجب أن تعقد اجتماعاتها مداورة ما بين الضفة والقطاع ... يجب أن يشعر أهل القطاع، بأنهم ليسوا منسيين أبداً، مثلما يجب على المسؤولين الفلسطينيين أن يستشعروا بأشخاصهم، آلام أهل القطاع وآماله، فتلكم هي البداية، لتفكيك أطواق العزلة التي عاشها الغزيّون طوال سنوات الانقسام السبع العجاف.
وأحسب أن أول الملفات التي تحتاج إلى معالجة فورية وعاجلة، هو ملف معبر رفح، سيما مع وجود اتفاق بين فتح وحماس على نشر ثلاثة الاف عنصر من الحرس الرئاسي في غزة، وهو عدد كافٍ لتأمين المعبر، وامتداداً على طول خط الحدود، الضيقة أصلاً، ما بين مصر والقطاع، أقله لبعث الطمأنينة في نفوس الأشقاء المصريين، الذين تميل غالبيتهم العظمى للربط بين إرهاب سيناء وبعض ما يجري في القطاع المحاصر، وإن كانت أعداد “الحرس الرئاسي” غير كافية لإنجاز هذه المهمة، فلا مناص من تدعيمها وزيادتها، وربما الاستعانة بجهات أمنية وعسكرية فلسطينية رسمية أخرى.
لن تفلح السلطة في معالجة ملف المعبر من دون أن تنجح ابتداء في إقناع المصريين، بأن ما سيأتيهم من غزة، ومن سيأتيهم منها، لا يحمل لهم شراً أبداً ... وسواء أكانت السلطات محقة أم متطيرة في تقدير حجم التهديد الآتي من القطاع، فإن المطلوب أولاً وقبل كل شيء، ومن الفلسطينيين ابتداءً، هو تأكيد رسائل الطمأنينة والثقة، على الأرض قبل موائد الحوار والتفاوض ... وفي ظني أن مصر التي نجحت في إحكام أطواق الحصار حول حماس في غزة، ليست مرتاحة أبداً لاستمرار هذا الوضع بعد أن بات يحاصرها كذلك، وأن ثمة مصلحة مشتركة في طي هذه الصفحة.
وقد لا تقتصر قضية المعبر على مصر والفلسطينيين وحدهم، فهناك من يجادل بأن المسألة تتخطى الإطار الثنائي إلى الدولي، بوجود الاتحاد الأوروبي كطرف في اتفاقية المعبر، وهناك إسرائيل القادرة على إغلاق المعبر من البر والجو، في أية ساعة تشاء ... لذا يتعين على الدبلوماسية الفلسطينية أن تتحرك بقوة، بدءاً بتحريك الدبلوماسية المصرية، بعد إنجاز التوافقات والتفاهمات والترتيبات على الأرض، من أجل رفع هذا الحصار الجائر، وتمهيد الطريق لإعادة إعمار القطاع، وتمكين الشعب الفلسطيني من تلمس ثمار المصالحة.
وثمة في أفق المشهد الدولي ما يدعو للتفاؤل، بأن تحركاً من هذا القبيل، قد يجد طريقه للنجاح ... فإسرائيل التي أرادت أن تفرض على حكومة الحمد الله الثالثة، حكومة الوفاق الوطني، أطواق العزلة الدولية والحصار الخانق والعقوبات الاقتصادية، تجد نفسها معزولة لا يصغي إليها أحد، وتقف وحيدة أمام مجتمع دولي يتجه نحو الاعتراف بالحكومة واستمرار التعامل معها، والمضي في تقديم المساعدات لها، ولقد كانت التصريحات الأمريكية في هذا المجال أكثر من واضحة، أما أوروبا، فلا تخفي ارتياحها، وأحياناً شماتتها بالجانب الإسرائيلي، وفي كل الأحول، فإن رئيس الحكومة الجديدة، سيكون ضيفاً على واشنطن في القريب العاجل، وربما في واحدة من أولى زياراته بصفته الجديدة هذه، وهذا ما أشعل الهستيريا وأثار نوبات الغضب في إسرائيل.
في ظني أن النظام المصري، وهو يسعى في ترميم أوضاع مصر داخلياً، واستعادة دورها المتآكل إقليمياً، يدرك تمام الإدراك، أن القضية الفلسطينية، هي مفتاح الدور الإقليمي لمصر، وأن عودة الدور المصري إلى الساحة الفلسطينية، سواء على مسار استكمال المصالحة أو استئناف المفاوضات، يشترط إيجاد حلول لاستعصاءات غزة والمعبر والحصار وإشكالية العلاقة مع حماس.
لقد فقدت الحملة المصرية على حماس “دافعيتها” بعد أن أنجزت أغراضها أو تكاد، وفي صدارة هذه الأغراض، تهميش جماعة الإخوان وتحطيم قلاعها ... الآن، وبعد أن دانت السلطة للمشير، لا يبدو أن في استمرار التصعيد ضد حماس، أية مصلحة لمصر أو نظامها الجديد.
وإذا كانت القطيعة بين القطاع ومصر، قد خدمت أهدافاً تكتيكية للسلطة وفتح في صراعها مع حماس، فإن استمرار هذا القطع والقطيعة، سيصبح سلاحاً ذا حدين، قد يقص بأحدهما أجنحة حماس، بيد أنه قد يقص بالحد الآخر، عنق فتح والسلطة والمنظمة، فالمسؤولية الآن عن القطاع، باتت في رقبة الرئيس وحكومته، وهو المُلام عن أي تقصير أو تأخير في إخراج القطاع من عنق الزجاجة، وهو المُقدّر والمعزز والمكرم، إن نجح في إخراج أهله من ظلمات الحصار والتجويع إلى فضاء الحرية والكرامة والعيش الأفضل.