تصدرت نتائح مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الاردنية، جزئية هامة جدا وهي تطرح للمرة الثانية، لقياس السعادة لدى الشعب الاردني، بناء على مقياس عالمي ضمن قراءة المؤشر العالمي للسعادة الذي وضع الاردن بالمرتبة 130 من اصل 147، وهي درجة متدنية جدا، وفقا للمقارنة الرقمية.
فقد كشفت ارقام المركز بناء على استطلاع للمواطنين، بأن الاردنيين سعداء، ويرى 65 % منهم بأنهم يشعرون انفسهم، لا بل هم مقتنعون بأن لديهم سعادة حقيقية، بصرف النظر عن ظروفهم الاقتصادية، أو ربما ما يمرون به من أزمات اجتماعية، أو حتى اسرية، لكن الحالة تقول أنهم سعداء بنسبة عالية.
انه مجتمع بسيط برأيي، الذي يعتبر السعادة قرارا، وأن الابتسامة مفتاح اليوم، وأن الاحسان وتقديم المساعدة لمن حولهم بأية وسيلة كانت، هي سعادة وهي مفتاح يوم يبدأ بكسرة خبز مع قطعة من البندورة قبل بدء عملية البحث عن قوت العائلة.
انه الشعب الاردني، الذي يقر بسلوكه وتصرفاته وحديثه ونكاته الدائمة انه شعب سعيد وصاحب روح خفيفة، انه الشعب الذي سرعان ما يتبادل «المسجات» عند اي موقف يحدث بالوطن ويسجل نجاحات باهرة بتحويل اي ازمات الى فرح ونكتة بروح لا تشبه احدا.
انه الشعب الذي يسعد بفرح الجميع، فما أن تدق بالحي طقوس فرح أو نجاح أو ثانوية عامة أو تخريج جامعة أو عودة سفر، حتى يتداعون بحب وببساطة الى افتراش الارض والبحث عن ايقاع يسجلون فيه تحيات المباركة والفرح، ودمج الحقيقة بالواقع ويتجاوزون الألم والوجع والقهر بضحكات، وابتسامات وتسامح..
مؤشر السعادة العالمي ربما يجافي الحقيقة بمقاييسه عند تطبيقها على شعوب اخرى كشعبنا، ولا يعبر عن هذا الشعب الكريم، الذي يرى الامور بشكل مختلف، صحيح انه لا يرى لبوابة الفرح والأمل بابا، ولا يلتفت احد الى آخر وهو يضحك! فهي حقيقة بشكلها العام، لكن الارقام تقول أن الفرد بالاردن وبنسبة 65 % يرى أنه سعيد، بينما 74 % يرون أن مجتمعهم غير سعيد، وبهذين الرقمين المتناقضين نقول التالي، ربما يرى فلان أنه سعيد لأنه دوما يتجاوز حزنه ووجعه ويؤمن أن القدر وضعه هنا حيث «اللاسعادة»، لكن ايمانه بالله يجعله دوما دائم الحمد وذلك ربما سر من اسرار اعترافه بأنه سعيد.
واذا قلبنا الورقة لنقرأ الرقم 74 % فإننا نقول أن المواطن يقرأ المشهد عموما ويتابع الاخبار بدقة، ويشاهد جاره واخاه وزميله بالعمل، بأن منهم من هو مهموم بالقروض ومن هو موجوع بصحته، ومن هو عاتب على زوجته، ومن هي غير متصالحة مع جارتها وزميلتها، ومن هو لا يجد مالا لتدريس ابنه، فيرون هؤلاء جميعا أن المجتمع من حولهم غير سعيد وتلك قراءة منطقية، تبدو في وهلتها الاولى متناقضة، لكن الخوض بغمارها ولو ببساطة يفسر تلك الوقائع بما لا يدع مجالا للشك، أن هذا الشعب يقرأ الواقع من قلب يعتريه الالم ويظلل رأسه الايمان، ومخافة الله وايمانه بالقدر هي التي تحرك وجدانه وتجعله متصالحا مع ذاته وحياته..
شعب مختلف، يصنع من الازمات موقفا مضحكا، يتجاوز فيه نفسه لتسأله فيبدو سعيدا راضيا قنوعا بما كتب الله له , شعب تغيب قدراته اللغوية احيانا عن التعبير الفعلي فتراه يوما متجهما ويوما مبتسما وآخر ضاحكا، وربما لحظة تغزوه الدموع، لكنه راض قانع متصالح في معظمه مع نفسه، يخرج من احزانه خلف ستار مواقع التواصل الاجتماعي ليقنع العالم أنه الأسعد..
شعب يضحك ويبعث الفرح داخل نفسه، فمتنزهات الجمعة في كل زوايا الوطن تقول انه شعب راض، وأعراس الحي تقول أنه يحب الحياة، وخطابه الفكاهي عبر الازمات يحكي قصة وطنه الذي يحبه ويعشقه وينسجم مع مناسباته الوطنية، ليلبس الكوفيه، والعباءة، ويتصدر جسده الجاهات، وجبهته كل المناسبات..
حكاية الدراسة والسعادة، في منحنى يتصاعد ويتراجع، ولكل مواطن على ارضه حكاية، ولكل اسرة تفاصيل تقرأ وترسم لمؤشر السعادة مكانا خاصا لا يفهمه الا نحن!! فمؤشر السعادة حقيقة ووطن وفرد ولأصلها كل الحكايات.