أُعلنت أسماء أعضاء الحكومة التوافقية الفلسطينية الجديدة بين حركتي فتح وحماس، وهي حكومة محاصصة، رغم الخلاف بين الحركتين على تسمية وزير للخارجية ووزارة شؤون الأسرى، فالرئيس عباس يريد أن يبقي رياض المالكي في منصبه، وبالنسبة لوزارة الأسرى الرئيس يريد تحويلها إلى هيئة مستقلة تابعة لمنظمة التحرير، حماس لا تريد المالكي وترغب في الإبقاء على وزارة الأسرى كما هي. الأخيرة تراجعت عن موقفها من المالكي وعباس عن تحويل الوزارة. هذا الخلاف مع صغر حجمه الا أنه يؤشر إلى طبيعة المرحلة القادمة التي من المحتمل أن تشهد قضايا خلاف كثيرة وتبقى من دون حل، فالتراجع عن المواقف ليس مضمونا للقبول به في كل مرّة من كل من الطرفين، بالتالي كيف سيتم حل هذه الخلافات، خاصة أن برنامج الحكومة أبقى على قضايا خلاف كثيرة بين الجانبين مثل، البرنامج السياسي للوزارة، فكل من عباس وحمدالله اعلنا التزام هذه الحكومة ببرنامج رئيس السلطة ومن ضمنه، المفاوضات والتنسيق الأمني مع إسرائيل الذي وصفه عباس بتعبير (المقدّس).
أما حماس فكما أعلنت من قبل: ضد استئناف المفاوضات حاليا وضد التنسيق الامني مع العدو؟ مما يدعو إلى القول ان الاتفاق أجّل الخلافات ولم يحلها. نعم.. هناك بون شاسع يمتد بين الرغبة والواقع في ما يتعلق بموضوع المصالحة، فإسقاط الرغبة على الفعل هي مسألة واردة في الكثير من القضايا وحتى الظواهر، فلا يخفى على احد مدى الضرر الذي أصاب قضيتنا ومشروعها الوطني جرّاء الانقسام، الأمر الذي أدّى إلى ضغوطات شعبية وعربية ودولية صديقة على الطرفين المعنيين (بغض النظر عن أن الاتفاق جرى بين وفد منظمة التحرير وحركة حماس في غزة ) مباشرة بالانقسام وهما: حركة فتح بالطبع، إضافة إلى حركة حماس، من أجل تجاوز الانقسام والوصول إلى المصالحة والعودة بالوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها.
من ناحية ثانية فإن الحركتين باتتا مأزومتــــين: السلــطة بسبب فشل المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، وحماس بسبب المتغيرات في مصر والعلاقة المتوترة بين حماس والنظام المصري الجديد وتبعات هذا الخلاف. هذان العاملان لعبا دورا بارزا في المباحثات التي جرت في غزة وافضت إلى الاتفاق: حكومة التكنوقراط التوافقية وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال ستة شهور.
مما لا شك فيه أن ما جرى الاتفاق عليه يمثل قضايا مهمة، تجعل من شعبنا وأصدقائه على مستوى من التفاؤل بقرب تحقيق المصالحة الفعلية، ولكن من الناحية الأخرى، جرى في اجتماعات سابقة للحركتين الاتفاق على هذه القضايا وقضايا أخرى شبيهة، وجرى تشكيل حكومة وفاق بعد حكومة حماس، وتم تشكيل لجان ذات وظائف عديدة، الا أن شيئا من كل تلك القضايا لم يجر تطبيقه وفشلت الحكومة واقعا على الأرض. والآن من أجل مصالحة حقيقية يجري تطبيقها واقعا فعليا يتوجب أيضا على الطرفين وبحضور ومشاركة كافة التنظيمات الوطنية والاسلامية الفلسطينية، الوصول إلى ما يلي:
إجراء مراجعة نقدية شاملة للمرحلة السابقة، منذ توقيع اتفاقيات أوسلو وحتى هذه اللحظة، فمفاوضات عشرين عاماً لم تُنتج سوى المزيد من إيغال العدو الصهيوني في الاستيطان وتهويد الأرض، وارتكاب العدوان والمجازر وهدم البيوت والاعتقال والاغتيال والمزيد من الإصرار على التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية، والاشتراطات التعجيزية الصهيونية على الفلسطينيين كالاعتراف بيهودية إسرائيل، والإبقاء على السلطة: كحكم ذاتي مهمته الأساسية تسيير الشؤون الحياتية للفلسطينيين، والتنسيق الأمني مع إسرائيل بهدف أن يكون هذا التنسيق مدخلاً لتكون السلطة حامياً للاحتلال ووسيلة لممارسة فعل الاحتلال من خلالها. كذلك الوصول إلى هدنة طويلة الأمد مع حماس تمتد لسنين طويلة، من دون إجراء هذه المراجعة الشاملة فإن أي خطوات يجري الاتفاق عليها بين حركتي فتح وحماس، تظل منقوصة.
الاتفاق على برنامج سياسي للمرحلة المقبلة يعتمد الثوابت الوطنية الفلسطينية، يحدد ما هو المطلوب بدقة خلال المرحلة الراهنة، ويعيد التأكيد على استراتيجية النضال الوطني الفلسطيني على ضوء فشل المفاوضات، شريطة أن تكون الحركة التكتيكية السياسية الفلسطينية منطلقة من خدمة الهدف الاستراتيجي، وليست بديلاً له، مثلما يجري التطبيق حالياً. لا شك أن اختلافاً سياسياً كبيراً يقوم بين الفهم الاستراتيجي للنضال الفلسطيني وما يجري على أرض الواقع حاليا من سياسات، الرئيس عباس ما زال يؤمن بنهج المفاوضات ولاشيء غيرها، فهل حماس متفقة مع هذا النهج (وهي حاليا في مرحلة هدنة مع العدو الصهيوني)؟
إن بعض الألغام ستواجه الحكومة القادمة من نمط: الأجهزة الأمنية في كل من رام الله وغزة، فالأولى تابعة للسلطة والثانية تعتمد عليها حماس في تثبيت سلطتها، بالتالي فإن أسئلة كثيرة ستواجه إعادة دمج هذه الأجهزة بعضها مع بعض.
من جانب آخر فإن حركة حماس في القطاع ولما يزيد عن السبع سنوات تمارس سلطة فعلية نسبية (ولكن ضمن نطاق الاحتلال مثل السلطة في رام الله كذلك)، فهل من السهل على حماس التخلي الطوعي عن هذه السلطة؟ هذا السؤال نطرحه على سبيل المثال وليس الحصر، وهو يشكل سؤالاً صغيراً من بين عشرات الأسئلة الشبيهة الأخرى، هذا اضافة الى انعدام الثقة بين الجانبين، إضافة إلى مصير 50 ألف موظف قامت حماس بتعيينهم، بعد قيامها بحركتها حتى هذه اللحظة، ما مصير هؤلاء الموظفين؟ هل ستدمجهم السلطة في وزاراتها؟ وهل ستتسلم الحكومة التوافقية السلطة في غزة؟ وما هو مصير القوانين التي سنتها حماس في غزة على مدار سنوات حكمها في القطاع؟ هذه غيض من فيض الأسئلة التي تفرضها المصالحة. ما جرى هو عملية هروب إلى الأمام من استحقاقات كثيرة على الطرفين البحث فيها وإيجاد أجوبة ذات قواسم مشتركة عليها بين الجانبين. من القضايا التي يتوجب الاتفاق عليها: الموقف من منظمة التحرير الفلسطينية ودخول حركتي حماس والجهاد الاسلامي إلى كافة مؤسساتها والتفاصيل المتعلقة بكل ذلك، فهل تأجيل هذه القضايا في صالح تجاوز الانقسام؟
جملة القول ان ما جرى في غزة من اتفاقات مؤخراً هو خطوة في الاتجاه الصحيح، والاتفاق على من يوجد في المعبر مع مصر جيد، لكنه لا يجيب على كل الأسئلة الأخرى. إنه أقرب الى التعامل مع واقع فرضته الظروف منه الى مصالحة حقيقية فعلية، فحتى تتحقق المصالحة واقعاً على الأرض، يتوجب اجراء الكثير من الخطوات، تلك التي لم يتم التطرق اليها في مباحثات غزة لهذا السبب فإن الاتفاق، رغم إعلان الوزارة، هو أقرب إلى إدارة الانقسام منه إلى المصالحة.