ما تناولته وسائل الاعلام العبرية والعربية من تسريبات حول المبادرة الأمريكية لإنهاء الانقسام من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية من حركتى فتح وحماس وشخصيات مستقلة لم يكن خبر مفاجئ لكل من يتابع سياسة الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن تجاه الصراع الفلسطينى الاسرائيلى.
وأيا كانت تفاصيل هذه المبادرة والتى لم تنفيها الإدارة الأمريكية، ولكن الملفت أنها لم تشير إلى إلزام حركة حماس بالاعتراف بشروط الرباعية بشكل مسبق كما جرت العادة؛ والتى شكلت دوما عقبة أمام أى حكومة فلسطينية ستشكل بمشاركة حركة حماس التى ترفض شروط الرباعية والتى من ضمنها الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود ونبذ الكفاح المسلح كوسيلة لانتزاع الحقوق الفلسطينية.
وعليه؛ فهذا يمثل رسالة سياسية لمن يهمه الأمر فى الساحة الفلسطينية وكذلك الإقليمية مفادها؛ أنه ثمة تغير أمريكي فى كثير من التصنيفات والمفاهيم السياسية الأمريكية الخاصة بالإرهاب؛ والتى كانت سائدة منذ أحداث 11 من سبتمبر، والجدير بالذكر هنا أن أول من بدأ فى هذا التغيير هو إدارة ترامب؛ وكان ذروة ذلك الاتفاق الذي وقعته إدارة ترامب مع حركة طالبان برعاية قطرية؛ والذى نفذته إدارة بايدن فيما بعد بكل حذافيره ودون أى تعديل؛ وهو ما مكن حركة طالبان من السيطرة وحكم أفغانستان؛ وعلى الرغم من أن حركة طالبان لم تحظى باعتراف أمريكي ودولى بحكمها إلا أنها دخلت فى مرحلة استئناس سياسي يعتمد طولها أو قصرها على ما يمكن أن تتماهى به طالبان مع متطلبات الادارة الأمريكية والمجتمع الدولى.
من هنا.. فإن علينا فهم ما تعنيه هذه المبادرة التى لم تظهر بعد إلى النور فى نفس هذا السياق من التحولات الأمريكية فيما يخص سياسات مكافحة الإرهاب القديمة؛ والتى أصبحت لا ترى ضيراً فى إمكانية التعامل أو حتى الاتفاق مع بعض الحركات التى تصنفها إرهابية عبر سياسة الاستئناس والترويض السياسي؛ كون هذه الحركات قادرة على البقاء والاستمرارية وإثبات وجودها الفاعل على الأرض.
ولن يكن مفاجئا إذا ما تم الإعلان عن حوار سياسي رسمي ومباشر يدور بين ممثلين رسميين من الادارة الأمريكية وحركة حماس. ولكن على الكل الفلسطيني وحركة حماس أن تتذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية التى وقعت على معاهدة السلام لا زالت تصنف من قبل السلطة التشريعية فى الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية.
وبعيدا عن كل النوايا الأمريكية خلف المبادرة؛ ولكن أى مبادرة تساهم فى إنهاء الانقسام من الجيد التعاطى معها من أجل المصلحة الفلسطينية العامة كون إنهاء الانقسام الفلسطيني حاجة فلسطينية صرفة وملحة؛ والذى من شأنه تقوية الطرف الفلسطيني على الأرض سياسيا واقتصاديا؛ وكذلك تقوية المفاوض الفلسطيني على طاولة المفاوضات فى أى جولات تفاوضية قادمة. وهذا تحديدا ما تريده إدارة بايدن وهو ضمن الاستراتيجية السياسية للحزب الديمقراطي لإبقاء حل الدولتين قائم، وهذا ما شخصه الرئيس السابق بارك أوباما فى مذكراته الأرض الموعودة؛ والذى أشار فيها إلى أن فشل تطبيق حل الدولتين يعود إلى حالة الضعف الفلسطينى المتزايد والقوة الإسرائيلية المتنامية بحيث لم يعد للفلسطينيين ما يمكنهم التنازل عنه والاسرائيليين ما يجبرهم التخلي عن ما بيدهم.
وفى الختام .. أسوء ما فى الأمر هو انتظار الفلسطينيين لمبادرات خارجية الواحدة تلو الأخرى لكي يتوحدوا، وربما الأمر الأسوء فى الأمر أن تتقاطع مصالح الدول المبادرة مع إنهاء الانقسام الفلسطيني فى حين إن أطراف الانقسام لم تتقاطع مصالحهم قط مع إنهائه، والأخطر في كل هذا المشهد أن الشعب أصبح غير ذى صلة بكل ما يجرى وبرغم أنه الثابت الوحيد فى كل المعادلات السياسية لكافة الأطراف إلا أنه لا زال يحتفظ بدور العنصر المحايد فى كل ما يجري. ورغم كلما يمر به شعبنا إلا أن التاريخ يخبرنا أنه عندما يقرر الشعب تغيير دوره من عنصر محايد إلى فاعل فإن معظم المعادلات السياسية تتحول إلى معادلات صفرية.