تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتلال الإسرائيلي، وتنطبق عليها كافة الاتفاقات الدولية بما فيها اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، وان السلطة الفلسطينية بموجب الاتفاقات المعقودة مع الاحتلال الصهيوني لا تعدو كونها سلطة حكم ذاتي بمهام محدودة لتسيير شؤون حياة الفلسطينيين اليوميه، وبموجب الاتفاقات المعقودة مع الاحتلال فان السيادة على الأرض تحت هيمنة وسيطرة الاحتلال، ووفق ذلك فان حكومة الاحتلال لم تخل مسؤوليتها عن الأرض الفلسطينية والسكان الفلسطينيين الذين ما زالوا يخضعون لسلطة الحكم العسكري.
وليس أدل على ذلك ما كتبه الصحفي والكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل في هآرتس - «ليست هناك وقاحة أكبر من وساطة وزير الدفاع، بني غانتس، الذي يريد من الدول المانحة زيادة مساعداتها للسلطة الفلسطينية. الأزمة الاقتصادية العميقة التي تضع قدرة السلطة في موضع التساؤل على دفع رواتب موظفيها، وبالأحرى الاستثمار في تطوير وتوسيع البنى التحتية، تعتبر وضعاً خطيراً وبحق، ليس خطيراً على الفلسطينيين، لا سمح الله، بل على أمن إسرائيل. الانهيار الاقتصادي يعني فقدان السيطرة، ثم التدهور إلى أعمال الشغب والمواجهات وإطلاق النار والعمليات. هذه هي المعادلة التي جُرّبت «بنجاح» في غزة. وقد عملت جيداً في العراق والسودان ولبنان، والآن تعرض إسرائيل للخطر. « أعطوا الفلسطينيين بضع مئات الملايين الإضافية إذا كنتم تريدون أمن إسرائيل، هذا ما سيقوله وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج في لقاء الدول المانحة في أوسلو.
الجواب المطلوب من الدول الأوروبية إعطاؤه لإسرائيل هو «أعطوا أولاً. إذا كان أمن إسرائيل مرتبطاً بالاستقرار الاقتصادي للسلطة فأخرجوا دفتر الشيكات الخاص بكم». كم يساوي التعاون الأمني مع السلطة بالنسبة لإسرائيل؟ يجب أن تسأل هذه الدول. كم يساوي الهدوء، 100 مليون دولار؟ 200؟ مليار؟ قد تكون هذه الدول سخية أكثر، وتعرض مقابل كل دولار تعطيه إسرائيل دولاراً وربما دولارين.
وفق ذلك فان حكومة الاحتلال عليها مسؤولية تحمل العجز المالي الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية على اعتبار أنها سلطة احتلال وأن العجز المالي وفق تقرير وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة يعود في أسبابه ومسبباته لقرصنة الاحتلال والاقتطاعات من ضريبة المقاصة بوجه غير محق فقد جاء في التقرير الذي تلاه بشارة في مؤتمر الدول المانحة المنعقد في النرويج : «إن قيمة الخصومات والاقتطاعات الإسرائيلية المجحفة من المقاصة، والتسربات المالية في ملفات تماطل الحكومة الإسرائيلية في تسويتها، تتجاوز 1.4 مليار دولار منذ بداية العام 2021.» وبين ان اقتطاعات شهرية، بلغت منذ مطلع العام الحالي 451 مليون دولار (257 مليون دولار كهرباء، و98 مليونا للمياه و34 مليونا رسوم معالجة مياه عادمة، و62 مليونا عمولة جباية وبدل خدمة) تقتطعها الحكومة الإسرائيلية من أموال المقاصة. وفيما يتعلق بتدابير كورونا، فان كلفتها بلغت 200 مليون دولار منذ بداية العام، بواقع 40 مليونا للمطعوم و30 مليون دولار بدل لوازم مخبرية وطبية، و118 مليون دولار لتحديث البنية التحتية التشغيلية والصحية، و12 مليون دولار وظائف إضافية في قطاع الصحة.
وإذا عدنا لنص المادة (56) من اتفاقية جنيف « من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحلية، على صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، وذلك بوجه خاص عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة. ويسمح لجميع أفراد الخدمات الطبية بكل فئاتهم بأداء مهامهم. ووفق مضمون ومفهوم نص المادة فان تكاليف تشغيل وصيانة المياه العادمة تقع أصلا على دولة الاحتلال باعتبارها من أنظمة الصحة العامة (34 مليون دولار) وكذلك تكاليف تحديث البنية التحتية لقطاع الصحة.. (118 مليون دولار) وأيضا (70 مليون دولار) مطاعيم ولوازم مخبرية.. هي ايضا مسؤولية الاحتلال باعتبارها تدابير وقائية لمنع انتشار الأوبئة، وسبق وأن ذكرنا ذلك ووضحناه في مقالات سابقة وكان المفروض في السلطة الفلسطينية تحميل مسؤولية هذه النفقات لحكومة الاحتلال وفق اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة.
وبخصوص رواتب الأسرى والشهداء وحسب اتفاقية جنيف الثالثة.. يحق للدولة التي يتبع لها الأسرى ان تدفع رواتب للأسير عند دولة الاحتلال (راجع المادة 68-60 ) وإذا قبلنا أن دولة الاحتلال لن توافق على تفسيرنا القانوني لهذه الأموال.. فهذا يعني أنها أموال موضوع خلاف قانوني..
والأموال التي هي موضوع خلاف قانوني يجب ان تودع بأمانة المحكمة التي تنظر في ذلك الخلاف لحين البت فيه. فلا يجوز لدولة الاحتلال الاحتفاظ به كما لا يجوز لها التصرف بشيء منه؛ لان دولة الاحتلال لا تستفيد من هذه الأموال سوى تشغيلها في البنوك الإسرائيلية طيلة فترة احتجازها وهذا يتعارض واتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة وبات مطلوبا من السلطة الفلسطينية التوجه بهذا الخصوص للمحكمة الدولية للنظر في هذه القضية.
الدول المانحة تدرك حقيقة ما ذكره وخلص إليه شكري بشارة إلى أن «السبب الرئيس لعدم إحراز تقدم اقتصادي مستدام، هو عدم حدوث أي تقدم في عجلة السلام وتنفيذ حل الدولتين»، إضافة للتحديات الاقتصادية والمالية، وعدم القدرة على تحصيل إيرادات من المناطق المسماة «ج» وعدم القدرة على البناء والتشغيل والتطوير فيها، والحرمان من الوصول الى الموارد الطبيعية واستثمارها. كذلك
غياب التواجد الفلسطيني على المعابر والموانئ والمطارات سبب رئيس أيضا في عدم ضبط عمليات الاستيراد والتصدير، إضافة إلى أن بروتوكول باريس الذي يحكم العلاقة الاقتصادية والمالية بين فلسطين وإسرائيل أصبح غير قابل للتطبيق، وبحاجة ماسة للتعديل بما يحقق العدالة للشعب الفلسطيني.ويتطابق العرض الفلسطيني في اجتماع لجنة تنسيق المساعدات حول وضع المالية العامة مع تقارير دولية قدمت خلال الاجتماع، من بينها تقرير للبنك الدولي، وآخر لمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة، وكلاهما حمل إسرائيل مسؤولية الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها الحكومة الفلسطينية.
وحذر التقريران الدوليان من أن الحكومة الفلسطينية قد لا تتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية بحلول نهاية العام، ما لم توقف إسرائيل اقتطاعاتها وتفرج، سريعا، عن الأموال المحتجزة لديها. وهذا يتطلب من المجتمع الدولي وضع حد للاحتلال الإسرائيلي وإنهاء تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي وتحرر الاقتصاد الفلسطيني لا يتم إلا بإنهاء الهيمنة والقرصنة لسلطة الاحتلال.