الحصار السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي الذي فرض على القطاع على مدى سنوات طويلة، لم ينجح في كسر قوى المقاومة أو شل قدرتها، و المطلوب اليوم من مراكز الأبحاث الصهيونية البحث عن استراتجيه بديله . وبحسب النقاشات الجارية على أكثر من صعيد، يبدو أن النية تتجه نحو توسيع دائرة الحصار لمنع تطوير قدرات المقاومة في القطاع، وخصوصاً في المجال الصاروخي. وترصد إسرائيل سعياً دءوبا من جانب فصائل المقاومة في القطاع، للحصول على دعم أكبر من حزب الله وإيران في مجال التقنيات الخاصة بالتصنيع العسكري الصاروخي، سواء لناحية القوة الدافعة للصواريخ بما يسمح لها بالوصول إلى مديات أكبر، أو لناحية تطوير تقنيات العمل بما يجعلها أكثر دقة في الإصابة، بالإضافة الى رفع قوة الرأس المتفجر المحمول على هذه الصواريخ. وإسرائيل تتابع الأمر من دون انتظار أي دعم من أي جهة، ولو أنها تطالب المصريين برفع مستوى الرقابة على الحدود مع القطاع، حيث باعتقاد حكومة الاحتلال أن الحدود مع مصر هي المنافذ القادره إيصال القدرات والخبرات الى القطاع.
وتسعى إسرائيل عبر التهدئة التوصل إلى ترتيبات أمنية وسياسية داخل قطاع غزة ، وهناك استعداد أميركي لتغطية أوسع عملية استثمار في برامج إعادة الأعمار وخلق قطاعات إنتاجية ورفع مستوى البني التحتية في القطاع، مقابل الحصول على اتفاق سياسي يسمح بإعلان هدنة طويلة الأمد بين فصائل المقاومة في القطاع وإسرائيل، حتى من دون الحاجة إلى إلزام المقاومة بأي موقف سياسي خاص.
ووفق المعطيات هناك مرونة إسرائيليه لتوسيع دائرة الخدمات التي يحتاج إليها القطاع، سواء لناحية السماح بمرور شحنات تجارية عبر المعابر الواصلة إلى أراضي الـ 48، أو السماح بنقل واردات من موازنات السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وصولاً إلى السماح لنحو عشرين ألف عامل من القطاع بالدخول يومياً للعمل في إسرائيل.
في المقابل تنشط الدبلوماسية الامريكيه بالتعاون مع دول الإقليم ، لتقديم مشروع إلى قيادة حركة حماس في قطاع غزة، يقضي بفتح الأبواب أمام أكبر ورشة إعادة أعمار تشمل البنى التحتية العامة والمؤسسات الحكومية والصحية والتربوية، وتوسيع دائرة التبادل التجاري مع القطاع عبر الحدود المصرية، والسماح ببناء علاقات تعاون بين رجال أعمال مصريين وعرب وبين رجال أعمال من قطاع غزة. وناقش المصريون مع القوى الفلسطينية نقاطاً عملانية؛ بينها أن تتقدم هذه القوى بعرض يتضمّن لوائح بأسماء رجال أعمال أو شركات موجودة في القطاع للعمل مع نظرائهم المصريين.
عروض التسهيلات هذه مرتبطة بشروط تتمحور بإقرار هدنة طويلة الأمد تسمح بإطلاق مشاريع الإعمار، من دون تعرّضها لخطر التدمير في أي حرب مفاجئة. وبالتالي، الذهاب نحو اتفاق علني أو غير علني، يجعل الهدنة قائمة مع ضمانات مباشرة، تتطلّب في جانب منها تحقيق المصالحة مع السلطة الفلسطينية وتراجع حماس عن بعض شروطها بما خصّ صفقة تبادل الأسرى مع حكومة الاحتلال ، بما يجعل أي حكومة في إسرائيل توافق على إتمام عملية التبادل من دون الخشية من تعرّضها لانتقادات داخلية. وعند التدقيق في الأمر، يمكن العثور فوراً على عناوين تجعل إسرائيل هي الجهة المقررة لعدد وفئات الأسرى الفلسطينيين المفترض أن تشملهم الصفقة.
تشترط أمريكا في عروضها العودة إلى البحث المباشر في صيغة لما يطلق عليه وصف «المصالحة الفلسطينية الداخلية»، إذ يسعى المصريون بوضوح إلى إعادة الاعتبار لموقع السلطة الفلسطينية، لا على مستوى القطاع فحسب، بل على مستوى التفاوض باسم الفلسطينيين عموماً، وربط موقف المقاومة بموقف السلطة من ملفات عدّة ، ويرى المصريون بصورة خاصة، أن البحث مع فصائل المقاومة ينحصر في أحوال قطاع غزة ومتطلباته. حتى عندما يتحدثون عن هدنة تفضي إلى وقف إطلاق النار من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فهم يرفضون ربط الأمر ببقية الأراضي الفلسطينية، ويعتبرون أنه لا يحق لقوى المقاومة في غزة الحديث عن القدس والضفة الغربية وبقية الأراضي الفلسطينية.
وإذا كان المصريون قد أرسلوا ضباطاً كباراً للإقامة في قلب قطاع غزة، من أجل التنسيق المباشر بما في ذلك حول ورشة إعادة الأعمار، فإن العملية ينبغي أن تتمّ عبر شركة « أبناء سيناء» ، لا عبر الجيش، وإنْ كان الأخير يسيطر فعلياً على كل الأنشطة والأعمال. لكن هذه الصيغة تسمح بآلية للتعاون مع مقاولين من أهل القطاع. ويتحدث المصريون عن استعداد كبير لزيادة التبادل التجاري مع غزة، بما يسمح بدخول كميات كبيرة من حاجات القطاع من جهة، وبزيادة واردات السلطة من جهة أخرى. لكن القاهرة تكرر أن مطلبها بما خصّ المصالحة والسماح بعودة ولو رمزية للسلطة الفلسطينية الى غزة، إنما يهدف الى عدم صدور أي موقف عن رام الله من شأنه عرقلة برنامج المساعدات هذه. ويبادر المصريون الى القول إنه في حال موافقة المقاومة على الهدنة، يمكن عندها تجاوز مطلب السلطة بأن تكون هي المشرفة على برامج الأعمار.
الفلسطينيون بكل فئاتهم وقواهم وفصائلهم يرفضون الأمن مقابل السلام ، ولسان حالهم جميعا لا يمكن المساومة على الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني وبقينا المقاومة مستمرة حتى تحقيق المطالب ألفلسطينيه وانتزاع الحقوق الوطنية ، . ثم إن ربط المقاومة بمصير الضفة والقدس وبقية فلسطين صار أمراً واقعاً ولا يمكن لأي فصيل في القطاع تجاوزه حتى لو أراد ذلك.
إسرائيل غير معنية بالعودة إلى المفاوضات على مرجعية قرارات الأمم المتحدة وتعمل على «تخريب أية فرصة لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة»، وأن «إسرائيل قفزت على حل الدولتين وتحاول استبداله باتفاقيات تطبيع مع عدد من دول المنطقة ومشروع التهدئه ضمن محاولات لترسيخ فصل غزه عن الضفة الغربية
إسرائيل «تواصل العبث بأولويات المنطقة السياسية والاقتصادية من خلال بعثرة الأوراق لإعادة ترتيبها من جديد بما يتماشى ومصالحها الاستعمارية، عبر تسليط الأضواء على قضايا جانبية لحجب القضية الفلسطينية»، في إشارة إلى «ما يحدث في السنوات الأخيرة من محاولات إسرائيلية لتضخيم خطر المقاومة الفلسطينية و الخطر الإيراني وإبقائه حاضراً، سواء على مستوى الجدل العام في إسرائيل، أو على طاولة حوار إسرائيل مع الإقليم والمجتمع الدولي».
ان «جوهر المشروع السياسي الإسرائيلي يتلخص في ضم الضفة الغربية وتغيير واقعها التاريخي والقانوني والديني والديموغرافي القائم، وإغراقها بالاستيطان والمستوطنين، والعمل على إبعاد الأنظار الإقليمية والدولية عن هذه الحقيقة نحو مسارات وقضايا جانبية مُفتعلة»، عبر اتفاقات ضمن مفهوم الامن مقابل السلام