في أي مقارنة بين موقف الشعب الأردني من الاحتلال الصهيوني، ومواقف شعوب عربية أخرى شقيقة، نجد أن الشعب الأردني هو الأكثر رفضا لهذا الاحتلال البغيض، وثمة ألف سبب لدى الأردنيين، ليرفضوا كل أشكال التعامل مع الصهاينة، بل ما زال الأردنيون حتى اليوم، يعتبرون اسرائيل دولة مجرمة محتلة، ولو اعترف بها كل العرب، يصعب أن يعترف بها الأردنيون، نقول هذا رغم حقيقة وجود معاهدة سلام مع الكيان الغاصب المحتل.
الأردن رفض صفقة القرن، وضحى بكثير من الامتيازات التي كان يتمتع بها مع جهات دولية تدعم هذه الصفقة، التي تصادر حق الفلسطينيين بوطنهم، وتعرض الأردن لاختبارات عسيرة، تدفعه للتنازل بدوره عن حقوقه ومصالحه الوطنية العليا المقدسة، وحين نفكر بالظروف القاسية التي يعيشها الأردن، والتي تناسلت وتزايدت بعد الموقف الأردني المعروف من صفقة القرن، وهو الموقف الذي قال فيه الملك (ما النا مصلحة).. رفضا للعروض المالية السخية التي تم اقتراحها على الاردن، وحين قال «كلا» ثلاثا لكل مشاريع الصهاينة وحلفائهم، والتي تأتي على حساب الأردن وفلسطين والقدس والمقدسات.
نحن ندرك ونفهم أن لكل بلد ظروفها، وسياساتها، ولكل بلد تحدساتها الخاصة، وهذا ما نفترض أن يفهمه الآخرون، لا سيما الذين لا يعتبرون الكيان المحتل عدوا، ولا يوجد نقاط احتكاك عمليا بين شعوبهم والكيان المجرم، فهؤلاء وفي حال تبنيهم لمشروعهم السياسي الخاص، الذين يعتبرونه من ضمن مصالحهم الوطنية، عليهم أن يفهموا الفرق الكبير بين حالهم وحالنا في الأردن، فلا مجال لمقارنات إن كنا نتحدث عن التطبيع مع من نعتبره مجرما قاتلا محتلا يهدد وجودنا وهويتنا ومستقبلنا.
بعد الشعب الفلسطيني البطل، لا يوجد شعب عربي، قدم تضحيات وخسائر كتلك التي قدمها الشعب الأردني وما زال يقدمها راضيا، ويعتبرها لا شيء مقارنة بما يقدمه شعب فلسطين، فالحقيقة تقول بأن قضية فلسطين هي الخلل الكبير الذي يقف عائقا دون تقدم ورفاه واستقرار الأردن، وليس السبب فقط هو تاريخ التضحيات الاردنية الكبيرة على صعيد الأرواح والأموال، بل أيضا للديمغرافيا وزن ودور وتأثير، وهي تشكل تحديا كبيرا يحول دون أن يتعامل الأردن مع مقتضيات السياسة كغيره، فجزء كبير من الشعب الأردني أصوله فلسطينية، ولم يتنازل عن هويته ووطنه، ولن يفعل مهما تعاظمت به الأيام والنكبات والحسابات الدولية..
الأفكار التي يتقدم بها المتطوعون، سواء تقدموا بها لرعاة وحماة الاحتلال الصهيوني، او تعاقدوا مع الاحتلال نفسه لتنفيذها وتكريسها كحقيقة سياسية ليتغنوا بها كإنجازات سياسية لصالحهم، كلها أفكار صعبة ولن يتقبلها الشعب الأردني، ومجرد تبنيها من قبل أطراف أخرى، فهي الدليل الساطع على أن هؤلاء لا يفهمون ولا يعلمون من هم الأردنيون، وما هو مدى ارتباطهم بفلسطين وقضيتها وشعبها..
الهاشميون فقط؛ هم من يمكنهم التحدث عن الأردن ومستقبله، وهم فقط من يدرك العلاقة الهرمونية بين فلسطين والأردن، وهم من حافظوا على الأردن على امتداد 100 عام من الحروب والمؤامرات، وهم من نجحوا في إيجاد طريق ثالث لحل أو التخفيف من قسوة وشدة وطأة الإجرام الصهيوني على الشعب الفلسطيني.
لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم، هذا ليس شعارا بالنسبة للأردنيين، بل هو أيضا عنوان بقاء وهو أبرز خط في ملامح هوية الاردن، فأي تطبيع معهم اليوم يعني تنازلا عن الهوية الأردنية الهاشمية، التي ازدادت أهمية وتميزا وفرادة بسبب تاريخها المشرف ومواقفها مع فلسطين وقضيتها وشعبها.
الأردن قيادة وشعبا، قدموا الشهداء من أجل الدفاع عن فلسطين ومقدسات الديانتين (الاسلامية والمسيحية)، فليفهم المتطوع والمغامر بأن موقف الأردن لن يتغير، ولن يتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، فأي تنازل سيكون على حساب الأردن، وهذا مستحيل.