في خطوة لا تبدو مفاجئة، أبلغت الحكومة الإسرائيلية الإدارة الأميركية، أنها لم تصادق على ما صادق عليه قسم التخطيط والبناء في بلدية القدس المحتلة على البناء الاستيطاني على أراضي مطار قلنديا شمال القدس والذي تم اتخاذه قبل أيام، لم يكن قرار حكومة بينيت مفاجئا كونه يتّصل بجملة من الملفات العالقة بين تل أبيب وواشنطن، خاصة في سياق التعهّد الأميركي بافتتاح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وليس هناك من مفاجأة أيضا إذا ما عرفنا أنّ تعهّد إدارة بايدن بشأن هذا الملف لا يختلف عن خريطة ترامب في سياق صفقة القرن، ذلك أنه لدى الإعلان عن هذه الخريطة جاء أنها ستضاعف الأراضي الفلسطينية وتوفّر عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية حيث ستفتح أميركا بفخر سفارة لها، أي أنّ إدارة ترامب في سياق صفقة القرن كانت تشير إلى فتح سفارة أميركية تتضمن قنصلية في القدس الشرقية، وهو أقل بكثير من وعد بايدن بافتتاح قنصلية أميركية في القدس الشرقية، مع التأكيد بأنّ خريطة ترامب تؤخذ بمجموعها الشامل.
وبالعودة إلى قرار حكومة بينيت المشار إليه فإنه يتوازى مع تأكيد مصدر رسمي رفيع المستوى لقناة 24 الإسرائيلية أنّ فتح القنصلية الأميركية في القدس بات قريباً جداً، وذلك بعد تأجيل متكرر من قبل إدارة بايدن خاصة لتسهيل تمرير الموازنة السنوية في ظل التهديد بسقوط الحكومة في حال مناقشة الميزانية في الكنيست بالتوازي مع افتتاح القنصلية، والآن، بعد نجاح حكومة بينيت في تجاوز ملف الميزانية، فإن وعد إدارة بايدن أصبح على المحك، من هنا جاء الحديث عن اقتراب اتخاذ قرار أميركي بهذا الشأن، ما كان من شأنه اتخاذ حكومة بينيت القرار بعدم المصادقة على الاستيطان على أرض مطار قلنديا بالتوازي مع طلب لتأجيل جديد آخر لافتتاح القنصلية مقابل هذا القرار.
في الآونة الأخيرة، ومع تزايد التوترات في القدس المحتلة، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة تشعر الإدارة الأميركية بأنّ افتتاح قنصليتها في القدس المحتلة بات ضرورة دبلوماسية، وليس مجرّد وعد أقدمت عليه، ذلك أنّ قدرتها على متابعة ما يجري في ظل هذه التوترات بشكلٍ مباشر أصبح ضرورياً ووجود قنصلية لها يمكنها أنّ تصبح على اتصال مباشر مع الأحداث وأطرافها الأساسية، خاصة مع الجانب الفلسطيني الذي يرفض بالمطلق التعامل مع السفير الأميركي في القدس المحتلة، مع التذكير بأنّ افتتاح القنصلية يعتبر الحد الأدنى في ظل الطلب الفلسطيني بإغلاق السفارة الأميركية في القدس وإعادتها إلى حيث كانت قبل صفقة ترامب إلى تل أبيب.
واقع الأمر أنّ إدارة بايدن وضعت نفسها في سياق هذا التعهّد لفتح سفارتها في القدس الشرقية، في موقع ابتزاز حكومة بينيت، ذلك أنها لم تحدد موعداً واضحاً أو سقفاً زمنياً لتنفيذ هذا التعهّد، ما فتح المجال واسعاً أمام ابتزاز الحكومة الإسرائيلية، مع أنّ ذلك أيضا مكّن من وضوح الخلافات بين مختلف وزراء الحكومة الإسرائيلية على هذا الملف خاصة بين رئيسها ووزير خارجيتها، هذا الأخير كان قد تعهّد لوزير الخارجية الأميركية بلينكن لتسهيل افتتاح القنصلية بعد تمرير الميزانية، لكن دوائر الخارجية الأميركية تشير الى أن لابيد خدع بلينكن بعدما تراجع عن تعهده هذا، وحسب هذه الدوائر فإن إدارة بايدن قد تقدم على افتتاح القنصلية من طرف واحد ودون اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية، مع أنّ ذلك قد يكون بالغ الصعوبة من الناحية القانونية والعملية.
إنّ من شأن وجود قنصلية أميركية في القدس أنّ يُشكك بمقولة السيادة الإسرائيلية على القدس الموحّدة باعتبارها عاصمة للدولة العبرية، إضافة إلى أنّ وجود هذه القنصلية من وجهة نظر إسرائيلية قد يشكّل بداية لوجود عاصمة فلسطينية في القدس في سياق حل الدولتين الذي ترعاه أميركا وتعارضه إسرائيل، ثم إنّ القنصلية في هذه الحالة ستعمل وكأنها سفارة بكل وظائفها المتعارف عليها وبذلك وحسب إسرائيل، ستكون هناك سفارتان لأميركا في القدس المحتلة وهذا غير منطقي ولا يتوافق مع الأعراف الدبلوماسية.
وخارج هذا السياق نسبياً، فإن دول التطبيع العربي كلها، تعترف ضمناً بالقدس عاصمة لإسرائيل لأنّ اعتماد السفراء لدى إسرائيل يتم من قبل رئيس الدولة في مقر رؤساء إسرائيل الذي يقع في القدس المحتلة.