أخر الأخبار
ذكرى تأسيس الدستور ومئوية الدولة
ذكرى تأسيس الدستور ومئوية الدولة

كل عام وأنت بخير أيتها الصحيفة الغراء، كل قرن وأنت بخير والوطن بمئويته بألف خير، الصحيفة التي أحبها الأردنيون لأنها مثلت مشروع الوحدة الوطنية بعد أن خرجت من مخاضات المنار وفلسطين، وأنت من الصحف التي مثلت إرث الدولة وأرشيفها، ومثلت بدورها في حاضر الدولة منارة للإبداع والتحضر، ولسان حال الدولة التي أدرك الأردنيون أنها ضرورية في مسارات التوجيه الوطني مع شقيقتها الرأي.

وكانت في النهج الذي يرتضيه الأردنيون في الاعتدال والوسطية، وكانت رسالتها للدين والوطن؛ إذ إن الأقلام قد كانت على ظهر صفحاتها كحد السيف فصارت صحيفة يعتد بها، ويعهد إليها أن تحفظ وثائق الدولة منذ تأسيسها، وتحافظ على النسق المعرفي الذي أختطته القيادة الهاشمية في توجيه دفة الحياة. حين كان الناس ينتظرونها مع كل إشراقة شمس مع الباعة الذين كانوا يتزينون بأوشحتها على الطرقات وعند كل إشارة ضوئية لتكون رفيقة الصباح وصاحبة الثقافة خلال اليوم، حين كانت للمعرفة والثقافة رائحة تنبعث من خلال رائحة الورق الذي كان يطبع في مطبعتها التي سبقت المطابع العامة والخاصة، وكان للدستور السبق في طباعة المنشورات والصحف الأسبوعية والكتاب بحيث وفرت للكثير إمكانية الاطلاع والقراءة في زمن سبق السوشيال ميديا. وكان الكتاب يتسابقون للكتابة فيها ويكون لهم الفخر في الاستحواذ على قليل من مساحتها لتطل كلماتهم للعيان من على صهوة الدستور، وقد كانت الأولى عندما كثرت الصحف، وتشاركت مع الرأي في تقديم الفكرة والخبر الصادق، فقد كانت الدستور تتحرى الدقة لتكون حاضرة على موائد المثقفين مع كل صباح، وقد شكلت فيما بعد المصدر الأول في كل القضايا التي طرحت للباحثين والدارسين، وصار أرشيفها مرجعا للدوريات الجامعية داخل وخارج الأردن، ونتذكر تغطية الصحيفة مطلع السبعينيات والثمانينيات وما بعد ذلك، وما احتوى من أحداث معارك العرب والكيان الصهيوني وحرب بيروت والحرب الأهلية اللبنانية، والحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الثانية والربيع العربي وكل أحداث فلسطين، وكل هذا مسجل في ارشيفها الذي يتوفر للقراء عبر موقعها الإلكتروني الذي صار بديلا عصريا للورق في عصر المرئيات الإلكترونية.

لقد كانت الدستور مختبرا حقيقيا لخريجي الجامعات الأردنية والعربية، وقد استوعبت خريجي جامعة اليرموك كأول قسم يقوم بتدريس الإعلام فتركت بصماتها في كل المؤسسات الإعلامية التي ذهب إليها هؤلاء الخريجون داخل وخارج الأردن، وكان لأساتذة كبار تخرجوا من مدرسة الدستور أن يتبوأوا مناصب حساسة في الدولة، ويتسلموا مناصب وزارية وإدارات عامة، وصارمن حق الدستور أن تكون مدرسة ثقافية وفكرية تخرج كبار الكتاب على مستوى الوطن، وترعى الشأن الثقافي والإعلامي والاقتصادي إضافة إلى أنها تستقرىء الحالة السياسية التي كانت في كثير من الأحيان تخرج من الدستور الصحيفة التي خرجت وزراء ونواب وناشطين في كافة الاتجاهات.

وإنني في مقالتي التي أرجو أن تكون رسالة تحية لكل العاملين فيها من مجلس إدارة وهيئة تحرير، وكل الذين وهبوا حياتهم للدستور من الطاقم الإداري والمهني وإلى كتاب الدستور بكافة مسمياتهم، وللذين كانت الدستور صحيفتهم الأكثر دفئا من القراء على مساحات الوطن الكبير، وبكل المواقع، شكرا أن أضفتم على الحس الثقافي والإعلامي لمساتكم الدافئة، وجعلتم من إطلالة الثانية عشرة منتصف الليل قدوم المولود الجديد من صحيفتنا التي نفاخر بها بين كل المؤسسات الإعلامية الأكثر قربا من أرواحنا وعقولنا.

وأرجو الله لصحيفتنا الاستمرار ولإدارتها الحالية ممثلة برئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير وكافة الزملاء.

تحية إجلال وإكبار واعتزاز وسنعمل معا من أجل الحروف التي تخرج قصائد وروايات ومقالات وأخبارا وتقارير، ولأجل التاريخ الذي روته الصحيفة على مدار خمسين عاما ونيف وامتداد الدولة الأردنية عبر المئة سنة الماضية، وكل عام وأنتم والوطن بخير.